انهيار إسرائيل من الداخل

 

د. محمد بن عوض المشيخي **

حتمية انهيار دولة إسرائيل التي أقامتها الدول الاستعمارية سنة 1948 على أرض فلسطين التاريخية، لم يكن بالأمر الجديد أو المُستغرب؛ بل فقد تنبأ بذلك العديد من المفكرين والمؤرخين اليهود، خلال العقود الماضية؛ إذ توقع هؤلاء نهاية حتمية لهذه الدولة التي تمَّ زرعها في قلب الوطن العربي، والتي قامت بتشريد وتهجير الملايين من أصحاب الأرض الأصليين من الشعب الفلسطيني؛ بل وإبادتهم في كثير من الأحيان.

هناك سجل أسود لقادة إسرائيل، فأياديهم ملطخة بدماء الأطفال والنساء والمُسنين من العرب والفلسطينيين؛ من بن جوريون الذي تولى الرئاسة في أول حكومة صهيونية إلى رئيس الوزراء الحالي نيتنياهو. فقد تنبأ المؤرخ الإسرائيلي بيني موريس بهجرة يهودية عكسية للإسرائيليين إلى أمريكا وأوروبا، وذلك خلال السنوات القليلة المُقبلة، بينما توقع الشيخ أحمد ياسين مؤسس حركة حماس قبل استشهاده، زوال إسرائيل عام 2027. وبالفعل كل الموشرات تدل على نهاية دولة الاحتلال يومًا ما، فكما قيل في سابق الأيام "دولة الظلم ساعة ودولة الحق إلى قيام الساعة".

لقد مرت أيام وأسابيع عصيبة على ما يعرف بدولة إسرائيل، فكان هناك صراع وجودي حول مستقبل هذا الكيان الغاصب الذي كان في مهب الريح بسبب صعود اليمين المتطرف للسلطة، والذي تقوده عصابة متعطشة لدماء الأبرياء (أمثال بن غفير ونتنياهو وسموتريتش) إلى الدرك الأسفل من النار. فقد اكتوى هذا التحالف العنصري بنيران العصيان المدني والإضرابات العمالية التي شملت كل مفاصل الدولة وقبل ذلك كله تمرد ورفض الخدمة من العديد من الواحدات العسكرية وخاصة وحدات النخبة في جيش الاحتلال، هذا فضلا عن المظاهرات اليومية المزلزلة والتي هزت تل أبيب؛ إذ كانت في معظم الأيام تتجه لمحاصرة منزل رئيس الوزراء؛ ولم تتوقف إلا بعد تجميد الحكومة للتعديلات القضائية العنصرية التي تستهدف في حالة إقرارها من الكنيست إطلاق يد العصابات المتطرفة على المقاومة الفلسطينية بعيدًا عن القوانين والأنظمة الدولية التي تعترف بحماية الواقعين تحت الاحتلال، فرجوع مئات الآلاف من المتظاهرين من أحزاب الوسط واليسار الإسرائيلي للشوارع أمر وارد في قادم الأيام في حالة العودة مجددا لمناقشة تلك التشريعات، فقد نجح بالفعل هؤلاء المحتجون في تركيع اليمين المتطرف لأول مرة في التاريخ.

لا شك أن الائتلاف اليميني المتطرف الذي يقود زمام الأمور في دولة إسرائيل قد أحرج الحلفاء والأصدقاء معًا في العالم على وجه الخصوص أوروبا الغربية والولايات المتحدة الأمريكية وإدارتها التي هي في الأساس تعادي الشعب الفلسطيني وتحمي القادة والساسة في الكيان الصهيوني من العقاب وخاصة من المنظمات الدولية مثل المحكمة الجنائية الدولية التي قدمت لها السلطة الفلسطينية العديد من الملفات التي تحمل أدلة دامغة على ارتكاب جنرلات جيش الاحتلال الإسرائيلي لجرائم حرب ضد الإنسانية في الأراضي المحتلة خلال السنوات الماضية.

لقد انكشف الوجه الحقيقي لحكام هذا الكيان الذي هو أشبه بعصابة أكثر منه رئاسة دولة، فخلال الأسابيع الماضية اتضح للعالم عدوانية قادة إسرائيل من خلال سياسية التوسع والتمدد، بزعم أن المملكة الأردنية الهاشمية جزءٌ لا يتجزأ من الدولة العبرية، وقبل ذلك بأيام يدعو السياسي المتطرف بتسلئيل سموتريتش لمحو بلدة حوارة الفلسطينية من الوجود.

السؤال المطروح الآن: لماذا هذه الضجة حول التشريعات التي تدفع بها الحكومة اليمينية لاعتمادها وإجازتها من الكنيست؟! فالإجابة على ذلك السؤال واضحة وضوح الشمس، وهي السيطرة الكاملة على السلطة القضائية وعلى وجه الخصوص المحكمة العليا الإسرائيلية، وذلك بهدف إلغاء تدخل هذه المحكمة في الأوامر التنفيذية للحكومة. وتهدف هذه الإصلاحات المزعومة إلى سيطرة السلطة التنفيذية في إسرائيل على تعيين القضاة، وتحويل المستشارين القانونيين بالوزارات إلى معينين سياسيين تابعين لأعضاء الحكومة. لقد كشفت الأحداث الأخيرة في الأراضي المحتلة عن هشاشة المجتمع الإسرائيلي من الداخل؛ فالديمقراطية المزعومة هي حق لليهود الذين قدموا من أوروبا وأمريكا على وجه الخصوص والمعروفين بالأشكناز، أما يهود الفلاشا واليهود الشرقيين والمعروفين باسم "السفارديم" فهم في المرتبة الثانية في الحقوق فهؤلاء مواطنون في دولة إسرائيل من الدرجة الثانية، بينما يأتي "عرب 48" والذين يحملون الجنسية الإسرائيلية في المرتبة الثالثة والأخيرة من هذا المجتمع المفكك وغير المتجانس.

يبدو لي أنَّ إسرائيل غير محصنة لما يجرى في منطقة الشرق الأوسط من متغيرات سياسية واجتماعية واقتصادية، فرياح التغيير قد أطاحت هذه المرة بحكام الكيان الصهيوني والتي يعتقد من البعض بأنها واحة الاستقرار والديمقراطية في المنطقة من المنظور الغربي الذي لا يرى إلا بعينٍ واحدة.

** أكاديمي وباحث مختص في الرأي العام والاتصال الجماهيري

الأكثر قراءة