أنيسة الهوتية
للصيام مشقة والمشقة هذه يُثاب عليها الإنسان بحجم أساسات الصبر التي ضربت قلبه وتوغلت في جوارحه فاستطاع لنيل أجر الصيام سبيلًا، ولولا ذلك لما استطاع تحمل مشقة الصيام من جوعٍ وعطش، وهذا ما أراه أضعف أنواع الصيام صبرًا عليه، والأقوى منه الصبر على قلة الراحة والنوم وتحمل استيقاظ الجوارح للعبادة في أنصاف الليالي وأيضًا أنصاف النهار وتقديم وقته هبةً لإقامة الصلوات والتلاوات والعبادات دون استنزافه لأجل السهر ليلًا للاستمتاع بتجمعات الأهل ومتابعة المسلسلات وتناول الوجبات ومن ثم النوم نهارًا استعدادًا لسهر الليلة التي تليها!
ونرى أن نوع الطبخة التي ستقدم على مائدة الإفطار، أو العشاء، أو السحور أخذ انتباه الصائمين مع أي مسلسلٍ سيتابعون من مسلسلات رمضان التي تتوعد كالشيطان الشاشة الفضية حتى تستغفل المسلم الصائم وتذهب أجر صيامه ولو قليلًا من خلال اهتمامهم العميق بالأحداث التي تجري عن اهتمامهم بكم صفحةٍ من القرآن قد قرأت وكم مرةً سأختم المصحف الشريف في هذا الشهر الذي لا أعلم إن كنت سأعيش إلى القادم أم لا؟! فتسحب تلك المسلسلات الرمضانية- ورمضان براء منها- من تحت أرجلهم بساط الطاعات والعبادات.
وأنا لست ضد الفن ولكنني ضد من يُحب رمضان ويرى جماله في جمال كل ما ذكر من سحرٍ جذاب متناسين فضله العظيم الذي يمر من بين أيديهم دون أن يقبضوا منه شيئًا سوى الجوع والعطش.
وما زال هؤلاء أفضل حالًا ممن يصومون عن المأكل والمشرب وأيضًا لربما مشاهدة الأفلام نهارًا ومُتابعتها ليلًا حتى لا يخرب أجر صيامهم إلا أن ألسنتهم غير صائمةٍ عن الكذب، والنميمة، والغيبة، والذم، وقلوبهم غير صائمة عن الحسد، والغل، واللؤم، والحقد، والقسوة! هؤلاء هم شر البرية وأشر البلية على أنفسهم وغيرهم من البشر.
والمضحكون هم من إذا أرادوا الزكاة والصدقة حسبوا أموالهم بيسةً بيسة حتى لا يقصروا على أنفسهم وأبنائهم من مشتريات رمضان والعيد لأجل "عيون" الصدقة! التي لم يقدروا عيونها حق قدرها! فعيون الصدقة ستفتح عليهم نورًا من السماء يرشدهم للرزق المضاعف في الدنيا قبل الآخرة إلا أنَّ الذين ضعف إيمانهم بالله ظنوا بأنهم إن تصدقوا حرموا أنفسهم من متعة الحياة والأصل أن المال لا ينقص من صدقةٍ بل يزيد، فتراهم يتصدقون بنصف ريالٍ بينما هم يصرفون عشرين على شيء سيستخدمونه لأيامٍ معدودة ثم يضعونه في أرففهم كذكرى! وبعدها يرمى إلى سلة المهملات.
ومن بين هؤلاء وهؤلاء هنالك أشخاص لا يرون في الصيام مشقةً أبدًا، لأن أيامهم العادية التي يعيشونها قبل وبعد شهر رمضان هي قريبة جدًا من الأداب الرمضانية وأداب الصيام أو أنها تشبهها تمامًا وهؤلاء هم الأشخاص الذين لا يفوتون صلواتهم وإن فاتتهم بسبب عمل يحسبونه عليهم دينًا يجب أداؤه في أقرب وقتٍ ممكنٍ بقضائه مع دفع نوافل استغفارًا عن التأخير وأيضًا حمدًا وشكرًا على قدرة القضاء وأنه لم يمت وذلك الفرض لازال دينًا في رقبته.. وألسنتهم تلهج بالذكر ساعة يصبحون إلى أن ينامون ولا تنام جوارحهم وعقولهم وقلوبهم وألسنتهم تنتقل من استغفارٍ إلى تسبيحٍ إلى تكبيرٍ وشكرٍ وحمدٍ وصلاةٍ على الرسول الكريم حبيب الله، ودعاء لله وتوكلٍ عليه.. وعدم الخوض في لغو القول من ذمٍ وكذب ونميمة ونفاقٍ وغيبة.. إلخ، وقلوبهم نقية من الحسد، والحقد، والبغضاء، والغل، ولا رغبة تكمن للانتقام حتى ممن آذاهم فإنهم بكل جوارحهم متوكلون على الله متسامحون حبًا في الله وطمعًا في نيل رضائه سبحانه.
وهؤلاء لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.