شهر رمضان

 

سلطان بن ناصر القاسمي

يقول تعالى: ﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ صدق الله العظيم.

إننا الآن في شهر عظيم مبارك، ألا وهو شهر رمضان، شهر الصيام، والقيام، وتلاوة القرآن، شهر العتق، والغفران، شهر الصدقات، والإحسان، شهر تفتح فيه أبواب الجنان، وتغلق فيه أبواب النيران.

شهر رمضان شهر الخير، والفضائل، والرحمات. ننتظر كل عام هذا الشهر الفضيل المبارك بشوق؛ لما به من روحانيات، وعبادات، حيث يتوافد الناس للالتزام بصلوات الجماعة في المساجد، ويكثر به التفات المسلمين إلى تلاوة القرآن الكريم بشكل يفوق التزامهم في بقية الأشهر الأخرى من السنة، كما أن في هذا الشهر الفضيل يلتفت الميسور إلى المحتاج، وتكثر الصدقات، ويتم إخراج الزكاة، وينعم بها المحتاج، ويطهر بها الميسور ماله، وحاله.

نعم، إنه شهر الفضائل؛ حيث يتجمع الجيران على موائد الإفطار، وتتزايد هذه الموائد في المساجد، والأماكن المخصصة.

ومع تطور الحياة المجتمعية يتزايد الاهتمام ببرامج منوعة في شهر الخير ، حيث نشاهد مجموعات وحلقات لحفظ القرآن الكريم، وكذلك المسابقات الثقافية، والترفيهية التي من خلالها تستفيد الأسر المنتجة في عرض منتجاتها، وتسويقها، ومنها يتجلى لنا التكافل الاجتماعي بين المسلمين في أبهى صوره، فيا له من شهر فضيل مملوء بالخيرات والرحمات!.

ولقد خص الله -عز وجل- شهر رمضان بفضائل وخصائص عن بقية الشهور، ومن تلك الفضائل والخصائص الآتي:

1-الفضيلة الأسمى لشهر رمضان هي أنه شهر الصيام، وهو العمل الذي يتقرب به المسلمون إلى الله، ويحرصون على ذلك بكل جدٍّ ، واجتهاد.

2-يعَدُّ رمضان فرصةً مُثلى لتحسين العلاقة بين النَّاس، حيث يُحثُّ المسلمين على التسامح، والإحسان، والعطف، والتصدّق على المحتاجين.

 

3- شهر التراحم: يُشجع رمضان على توثيق العلاقات الاجتماعية، والتراحم بين الناس، من خلال تبادل الزيارات، والدعوات للإفطار، والتبرع للمحتاجين، والفقراء، والمساكين.

4- شهر الصدقة: حيث يتم في رمضان إطلاق حملات التبرعات، والصدقات، التي تتزايد فيها الأجور بشكل كبير؛ وذلك لأنَّ الله يحب العطاء، والإحسان، ويُجزي على الصدقة بعشرة أضعافها، وأكثر.

"والله يضاعف لمن يشاء".

5- شهر القرآن: ينصح بقراءة القرآن بشكل كامل في رمضان؛ وذلك لأن هذا الشهر يتميز بأن القرآن نزل فيه، وتم إنزاله في ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر.

6- شهر التوبة: في رمضان تحصل التوبة من الذنوب والخطايا؛ وذلك لأن الله يتقبل التوبة في هذا الشهر ويتفضل على عباده بالقبول، ويُجزي على التوبة بالمغفرة، والرحمة  والعفو.

وهنا لا يمكننا أن ننسى دور الفرق التطوعية، والجمعيات الخيرية الذي تنهض به بشكل كبير خلال هذا الشهر على وجه الخصوص، وما تقوم به كذلك بقية أشهر السنة؛ حيث يكثر منها العطاء، وتقوم بجهد غير قليل في تغطية مساحة كبيرة من الأسر المحتاجة لتلك المساعدات في شهر رمضان المبارك،  وفي عيد الفطر المبارك أعادة الله علينا وعلى الأمتين: العربية، والإسلامية بالخير، واليمن، والبركات.

إن هذه الجمعيات وتلك الفرق الخيرية إذا ما استطاعت التخطيط، ووضعت استراتيجية عمل ناجحة في جمع الزكاة في هذا الشهر الفضيل ستتمكن من أن تنهض برسالتها، وتقوم بها خير قيام طوال العام، وليس فقط في شهر رمضان من كل عام، حيث إننا لو افترضنا أن في ولاية كان عدد الموسرين كبيرا، مقارنة بعدد السكان في هذه الولاية، وتم جمع الزكاة من هؤلاء فسوف يغطي- من وجهة نظري- جميع المحتاجين في الولاية، ولو افترضنا أن شخصا ميسورا قد تبرع للزكاة بمبلغ، قدره 300 ريال عماني، ونضيف عليه عدد 1000 شخص من الميسورين- فإن مبلغ الزكاة يساوي 300 ألف ريال عماني، وأعتقد أن هناك إمكانية لجمع أكثر من ذلك المبلغ، وقس ذلك على كل الولايات والفرق، والجمعيات الخيرية الموجودة بها، وهكذا سنغطي احتياجات جميع المحتاجين من الأسر المعسرة، وأعتقد أن بالإمكان جمع أكثر من ذلك المبلغ في حال ما إذا قام المسؤولون في هذه الفرق بوضع رؤية عمل واضحة، وشرحها لمن يتوجب عليهم الزكاة، وتبصيرهم بواجبهم تجاه إخوانهم المواطنين الذين يحتاجون إلى مد يد العون إليهم، والقيام بما يتوجب نحوهم.

هذه دعوة للمجتهدين في العمل التطوعي في هذه الفرق، وتلك الجمعيات الخيرية: أن يبادروا بالتواصل مع الموسرين بكل ألوان التواصل العادية والإلكترونية، وعبر كل وسائل التواصل الاجتماعي كما أن وضع الصناديق الخيرية في الأماكن العامة والمجمعات التجارية سيسهم-بلا شك- في رفع تلك المخصصات المالية عاجلا إلى تلك الفرق الخيرية.

ومن جانب آخر أوجه الدعوة إلى الشباب بضرورة استغلال هذه الأيام المباركة في وضع برنامج لهم يتضمن المحافظة على العبادات والفضائل، ولا أنسى كذلك- البرامج الرياضية في مساء رمضان بما لا يزيد عن حدود المعقول من الوقت اللازم لذلك، وأهمية المحافظة على الصحة العامة للإنسان من حيث الاعتدال في تناول الوجبات.

نعم، إن شهر رمضان شهر خير ورحمة للناس أجمعين، وعليه أدعو من يحمل في قلبه ذرة من خصام أن يُبادر في استغلال هذا الشهر الفضيل إلى التسامح، واتساع الصدر، والعفو، وإصلاح ذات البين، وإنهاء تلك الخصومات، ونبذ التفرقة، وخصوصا مع ذوي الأرحام منهم، وغيرهم من النسيج الاجتماعي العماني المتناغم، والذي أظهرت الأيام نقاء طبعه، ودماثة خلقه، وجليل تقاليده، وجميل عاداته الطيبة.

ومن الفضائل التي ننعم بها في شهر رمضان، ويجب استغلالها هي تلك الأوقات المحببة للدعاء، والتي فيها الاستجابة، وأن نحاول أن نقلل من النوم فيها بالتقرب إلى الله بالدعاء، وتلاوة القرآن.

كما أنه علينا ألا ننسى الدعاء لمن رحلوا عنَّا، وفارقونا ، وأمسوا بين يدي الله، وتركوا هذه الدنيا، ولم يدركوا أو يشهدوا هذا الشهر الكريم، وكانوا يأملوا لو أدركوه، وشهدوه من الأهل والأصدقاء والأحباب.

كما يتوجب علينا حسن استغلال أوقات السحور، فعن أبي سعيد الخدري- رضي الله عنه' قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "السحور كله بركة، فلا تدعوه، ولو أن يجرع أحدكم جرعة من ماء؛ فإنَّ الله -عز وجل-، وملائكته يصلون على المتسحرين".

فإن كان الله وملائكته يصلون على المتسحرين، والسحور عون على الصيام- فما ظنك بالصيام نفسه ومنزلته وقدره عند الله، فيجب علينا استغلال هذه الأيام، وتحصيل تلك البركة.

وفي الختام، فإنَّ شهر رمضان المبارك هو فرصة للتأمل، والتقرب إلى الله، من خلال فريضة الصيام، والصلاة، والتصدق، والذكر، والدعاء، وقراءة القرآن الكريم.

إنِّه شهر يجسد روح التعاون، والتضامن، والتسامح بين المسلمين جميعًا في أقطار المعمورة، ويذكرنا بأهمية الصبر، والاستغفار، والتوبة، وضرورة التحلي بالأخلاق الحميدة.

 تقبل الله منِّا ومنكم، وكل عام أنتم بخير.

            

 

 

تعليق عبر الفيس بوك