عائض الأحمد
يقصي كل من حوله، ثم يدور في حلقته المفرغة الموحشة، من أنتم؟! أنا هنا الوحيد أعظم من أخرسكم وأطهر من أنصعكم، طوفان غادر حين غرة هاج وماج واقتلع حصوناً ناشئة وأخذ أخدود واقفه ودمر كل مدمر.
سيدتي.. سيدي.. أيها الناس.. يا قوم.. أفلس وألحق بنا إفلاسه، غضب فمات الأخضر وكسر اليابس ونسي أيام الظمأ والجوع وحرارة الصيف وقطرة ماء كنَّا نقسمها قطرة قطرة له واحدة ولي أخرى، مرت مرور مودع، وأخذت أنفاسي وقطعت حبل وريدها، فغرغرت روح محب عاشق، يبكيها شوقا وألماً وهو يستنشق نفحات عطرها، ورذاذ نسمات دفء قربها فتعيد له الحياة، ويتصبب عرقا أي حلم مر من دونك فهو هزل، وأي يوم غاب دون لقائك فهو هدر، أعظم الكون شمس وجهك حين إشراقة، وساعات الأصيل تحن لموعدك، فمتى ألقاك، لعل عذري تقبليه وخضوعي تعذريه وهفوات بعدي تعذريه، سعادة المرء حلم قد يبلغه وأمل ربما يزرعه، وفسحة فكر مر به يوما، ولم لا قد تعود وتنشر الربيع بعد خريف وشتاء وزمهرير وفصول أربعة موجعة تتابعت وتناهت فقرا وضيق حال وغربة مَآل مصدره أنا ومرده أنت.
جنون العشق "أشبعني" عتب وأنهك جسدي وبلغت به أقسى الضرر، وفاق بساطها أذرع نشأت العشب، فطمعا رجوتك عودي، أو بغيرك يهتف عودي، أو لم يبلغك انحناء ظهري ورجفة قدمي وضعف نظري، أي قسوة في قلب حبيبي، أقول لك هيا أحرقي هذه الخشبة إن كانت لك طيبا.
***
يقول الأحمد:
طهارة القلب أجمل من طهارة البدن.
مسك الختام:
السلوك البشري إيجابًا أو سلبًا لم يتغير ولن يتغير مهما حدث، إن صدقت فلك وإن بلغت بك الحيرة أقصاها فاذهب غير مجبر، وعُد قليلًا أو أكثر قليلًا للخلف، وأقرأ أشهر الأقوال ونظريات الفلاسفة عن هذه الحياة، وصفات البشر منذ آلاف السنين، عندها ستجد جارك "عبد السلام" يعيش في أيام الرومان، و"زاهر الأخضر" وهو يشبه الجذع اليابس المتحجر من مخلفات الدولة السلجوقية.
فماذا ستقول حين تدخل بلاط الحاكم بأمر الله الفاطمي وهو يصف الجواري كل واحدة منهن تحمل "قماش" في يدها تعرضه على "السيد" ليُناسب ساعة صفوه، ويبعث السرور إلى قلبه المولع بخدمة الشعب بعد رفاهية الحياة الواجب توافرها ليخدمه شعبه بنفس راضية واثقة مطمئنة. ليعطي أقصى ما عنده ليعيش الجميع بخير، لا ينقصه هم أو غم أو غمام سماء.
