العمل والتشغيل والملتقى!

 

حمد بن سالم العلوي

بادرةٌ جميلةٌ من الحكومة الرشيدة، أن قررت الالتقاء بالشباب تحت رعاية سيّد الشباب، صاحب السُّمو السيد ذي يزن بن هيثم آل سعيد وزير الثقافة والرياضة والشباب، وبحضور عدد من الوزراء وكبار المسؤولين من المختصين، وذلك للتحاور مع عدد كبير من الشباب، تحت عنوان "معًا نتقدم" بهدف الخروج بحلول ترضي الطرفين، وتقرب وجهات النظر، ومحاولة العثور على أنجع السُّبل في حل مشكلات التوظيف والتشغيل، ومنع التسريح من الوظائف القائمة.

الحلول الجادة التي يبحث عنها الجميع، سواء كانت الحكومة والجهات المعنية بما فيها القطاع الخاص، وطالبو التوظيف والتشغيل، والبقاء في العمل بالنسبة للموظفين الحاليين، كل ذلك لن يتم إلا بتعاون الجميع، والإخلاص في إيجاد الحلول، وبمشاركة فعّالة من طالبي الخدمة، وبعض التسهيلات من الحكومة، وبالتعاون من القطاع الخاص. وسيتحقق ذلك بعقد ورشة عمل تمتد لأيام، وربما أسابيع نظرًا لأهمية الموضوع وضخامته، بحيث يُكلف الحضور بتشكيل لجان عمل باختيارهم الحر، لتقوم تلك اللجان بتقديم مُقترحات حقيقية وجادة وقابلة للتطبيق، وذلك في التوظيف والإحلال، وطرق وأساليب التشغيل ووسائلها ومجالاتها، ومنع التسريح القسري أو المُفاجئ، وعلى الحكومة والقطاع الخاص أن يعطوا المعلومات التي سيطلبها أعضاء اللجان، أما أن يتم استنباط الحلول من خلال طرح الأسئلة المكتوبة، فتلك مسألة غير مجدية، وقد تحمل بين ثناياها حلولًا غامضة، وقد لا تفي بالغرض المنشود، لأنَّ طالب الخدمة هو الذي يعرف احتياجه من طلبه، وليس مقدم الخدمة (وهما الحكومة والقطاع الخاص).

بعض ممن حضروا الملتقى أرادوا طرح المزيد من الأفكار والمقترحات، وكانوا يأملون أن تُعقد جلسة عصف فكري مباشر في الملتقى، لكن اقتصر الأمر على الأسئلة المطروحة عبر منصة رقمية، بينما يختار مدير الجلسة النقاشية الأسئلة دون معيار واضح لنا لهذا الاختيار، وكان الأمل أن تكون النقاشات مباشرة بين المواطن الحاضر في الملتقى والمسؤول الجالس على منصة النقاش، حتى يكون الحوار مُثريًا.

إذن.. كان الملتقى تجربة البداية، ولعل وعسى أن تتبعه تجارب أخرى، أكثر قربًا وتفاعلًا مُباشرًا في المرات المقبلة.

لقد كتبت في مقالات سابقة بعض المقترحات والأفكار لحل مشكلة التوظيف في القطاع الخاص، واقترحت على الحكومة أن تُطلق برنامجًا داعمًا للرواتب، وبصورة متدرجة في الدعم المالي، ورفع الدعم بالتدرج كذلك، لأن ليس بمقدور بعض الشركات- وخاصة الصغيرة- دفع الرواتب العالية؛ لأنَّ أي مبلغ يزيد عن 200 ريال بالنسبة لهم، يُعد مرتفعًا، قياسًا على دخل هذه الشركات الصغيرة. وفي نفس الوقت لا يكتفي المواطن وخاصة أصحاب الشهادات العالية برواتب متدنية، وهنا كانت العقدة الكَأْدَاء، ومن جانب آخر، يجب أن تكون هناك ضوابط حاسمة وملزمة بثبات الموظفين، وعدم الانتقال أو الاستقالة إلا بمبررٍ مُقنعٍ، وبموافقة جهة حيادية كالاتحاد العام لعمال السلطنة مثلًا.

ومقترح الدعم هذا لا يجب أن يستمر بلا نهاية، لكن حتى تدور عجلة التشغيل ويستمر العمل، وتتكرس ثقافة العمل الحر، وأن الجميع بمقدورهم أن يعملوا، كما هي قناعة الناس بالعمل في ولايات نزوى، وبهلاء، والحمراء، وهي كلها ولايات متجاورة ومن محافظة الداخلية، وهناك مثلهم في الولايات المجاورة، ولكن ليس بنفس الهمِّة والنشاط والاعتزاز التي عليها سكان ولاية نزوى، فقد أصبح الناس في نزوى يمثلون قدوة حسنة للعمل الحر والجاد في المنطقة، وفي كافة الأنشطة التجارية والصناعية، فهم لم يتخلوا عن العمل بنزقة الحداثة، كما أصاب هذا النزق الكثير من الناس في بعض الولايات، وذلك من الذين يلهثون وراء سراب الربح السهل والسريع، فلا نالوا هذا ولا ذاك؛ بل يخسرون الوقت بالانتظار، أو المغامرات غير المحسوبة أو مضمونة النتائج.

إذن.. ما نحتاج إليه اليوم؛ تعظيم الثقة في النفس بـ"أننا قادرون" ونحتاج إلى مظلة حماية تحمي من الخسارة أو الديون، وعندئذ ستكون الجرأة في الإقدام على العمل الحر أكبر، لأنَّ الجهل بالشيء يجعل الإنسان عدوًا له، فالثقة والحماية من الخوف تبعدهم عن المجهول، ومن ثم سيتناقل الناس المعرفة من بعضهم إلى بعض، ولا تظنون أنّ الوافد هو من سيمنحهم المعرفة والثقة، وإلاّ قِيل عنه إنه مجنون، عندما يتجنّى على قطع رزقه بنفسه، وذلك بتعليم المواطن صنعة هو يأخذ لقمة عيشه منها، فلنكن نحن ظهير لبعضنا البعض، وألا نتوقعها من الوافد.. هذا وبالله التوفيق.