اللهم بلغنا رمضان

 

خليفة بن عبيد المشايخي

khalifaalmashayiki@gmail.com

 

 

غدت أيامنا تتسارع وكثيرٌ مِنّا لا يكترث لذلك، وأعمارنا كل يوم تتناقص وكثير منَّا في غفلة ومُعرض عن ذلك، وتأكد لنا أن أعمالنا محصورة علينا ومحسوبة ومسجلة ومحفوظة؛ بل مستنسخة وستعرض علينا يوم الحشر، عندما سنقف أمام خالقنا في يوم الحساب والسؤال، هذا اليوم الذي فيه ستنطق وستشهد علينا جوارحنا وأعضاؤنا، إذ قال جل جلاله "يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ".

في ذاك اليوم لن نملك وقتها استبدال سيئاتنا بحسنات نشتريها بأموالنا، إذن لطالما الحال كذلك، فإنه أمامنا فرصة ثمينة لا تعوض وعلينا أن نتوقف قليلا مع ذواتنا، ونحاسب أنفسنا قبل أن تحاسب، وننظر إلى هذا الابتعاد عن الله عز وجل والاستهانة به تبارك في علاه وفي تطبيق أوامره وتنفيذ تعليماته، إلى أين نحن سائرون وذاهبون، إلا يكفي ما ضيعنا وفعلنا وتركنا.

علينا أن نتوقف مع أنفسنا قليلا ونتساءل عن الذين كنا معهم وكانوا معنا، نقضي معظم أوقاتنا معهم ولهم ومن أجلهم، سواء الأموال أو الجاه أو المنصب أو القبيلة أو الزوجات أو الأولاد، أين هم الآن، وهل سينفعوننا في قبورنا إن لم نجعل الدين الكامل فيهم لينفعونا بعد مماتنا وفي حياتنا.

فالزوجة وأولادنا وبناتنا إن لم يكن بهم الدين الكامل ونحن أحياء فمتى سيكون بهم ذلك، ولطالما إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث ومنهن ولد صالح يدعو له، فمتى سيأتي الصلاح في أولادنا وبناتنا ليدعون لنا، لطالما نحن ضيعناهم وتساهلنا في تقوية علاقتنا وعلاقتهم بربنا.

إن في حياتنا كثيرا منَّا بعيدون عن الله تعالى وغير منتبهين إلى هكذا أمر وهذه مصيبة عظيمة، فنحن في شهر شعبان ونقترب من شهر رمضان المبارك، إذ تفصلنا عنه أيام معدودة، وكالعادة ستمتلئ الجوامع والمساجد في الأيام الأولى منه بالمصلين وقرّاء القرآن، وستشهد هذه الظاهرة تناقصًا لربما بعد الأيام العشرة الأولى منه، إلا أن أعمال الخير والبر والإحسان ستكثر وستزداد، وكثيرون سييممون وجهتهم صوب الديار المقدسة لأداء مناسك العمرة، بينما في الجانب الآخر، ستكثر موائد أفطار صائم، وغير ذلك من التجمعات والمناسبات والفعاليات الرمضانية.

ومع استعدادات الناس لاستقبال شهر رمضان الفضيل وفرحتهم بقدومه، إلا أنه ودعنا قبله أحبابا لنا تغمدهم الله بواسع رحمته، وأسكنهم فسيح جناته، وكذلك بعض البيوت والأهالي والأسر، تفتقد عزيزا لديهم مفقود منذ سنوات طويلة، أو في السجون، وذلك بسبب مطالبات مالية متنوعة.

وبرامج "فك كربة" في لجان الزكاة بالولايات، والجمعيات والمراكز الخيرية، تنشط كثيرا في شهر رمضان المبارك، ويكون لها إسهامات في إخراج عدد من المسجونين بسبب الديون التي عليهم وسجنوا بسببها.

والمسجون بسبب المطالبات المالية خسر نفسه وبيته؛ إذ بيع بالمزاد العلني، والزوجة خلعته وذهبت وتزوجت غيره. كذلك خسر المسجون صحته ومستقبله، وأصبح يقضي كل عمره في السجون.

وهنا نأمل من الجهات المعنية إعادة النظر في أمر سجناء المطالبات المالية، من خلال العمل على تأمين حياة كريمة لأسر المسجونين.

ثم إن بيع بيت سجين المطالبات المالية أمر مبالغ فيه وفيه ظلم وإجحاف كبير، ويهدد بتشريد وضياع أسرة السجين، واستغلال ضعفاء النفوس للحال الذي به زوجته وأطفاله.

وعلى الحكومة أن توجه المجتمع للتعاون معها في معالجة أمر سجناء الديون والمطالبات المالية، والدفع بدراسة هذه المشكلة، وأن تجرى مناقشة مستفيضة لهذه المسألة، بهدف وضع الحلول الناجعة.

إن شهر رمضان المبارك فرصة عظيمة لنتطهر من أخطائنا وتقصيرنا، ولنفتح صفحة جديدة من أعمارنا. علينا ألا نغتر وأن لا ننسى غيرنا، فلربما خير بسيط نفعله من أجلهم، سيدفع عنا المرض والشرور؛ فالصدقة تطفئ غضب الرب، وشهر رمضان فرصة لعمل الخير، ومساعدة المحتاجين والضعفاء والمساكين وأصحاب الحاجة والفاقة، وبذل المزيد من ذلك، في وجوه كثيرة وأبواب متعددة.

ربنا بارك لنا فبما تبقى من شهر شعبان، وبلغنا شهر رمضان المبارك ونحن بخير وصحة وعافية وسلامة، لا فاقدين ولا مفقودين، وسلمنا لرمضان وتسلمه منا مُتقبلًا.

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة