ضمن الفعاليات الثقافية بمعرض مسقط الدولي للكتاب

الاحتفاء بالمخزون الشعري للعالِم والفقيه الشيخ عيسى الطائي "قاضي القضاة"

...
...
...
...
...
...
...

 

 

تسليط الضوء على "ديوان الطائي" الصادر عن "الرؤيا" و"ذاكرة عُمان"

◄ سماء عيسى: الأوضاع السياسية صبغت التجربة الشعرية في النصف الأول من القرن الـ20

 

 

الرؤية- سارة العبرية

تصوير/ راشد الكندي

 

انطلقت أمس أعمال ندوة العالم الفقيه الشيخ عيسى بن صالح بن عامر الطائي قاضي قضاة مسقط في عهد السلطان سعيد بن تيمور، وذلك ضمن الفعاليات الثقافية بمعرض مسقط الدولي للكتاب 2023 الساعة الرابعة والنصف بقاعة ابن دريد.

وسلطت الندوة الضوء على ديوان الطائي الذي أصدرته مؤسسة الرؤيا للصحافة والنشر مؤخرا بالتعاون مع "ذاكرة عُمان"، وحققه وعلّق عليه الباحث التراثي حارث بن جمعة الحارثي.

وشارك في الندوة كل من: الدكتور محمد بن حمد العريمي أحد الباحثين المعنيين بتحقيق التراث والمشتغلين بالتاريخ العماني، أحمد بن عبد الله الكندي أحد المشتغلين بجمع المخطوطات القديمة والمتخصص في قراءة وتحليل مكانز التراث القديم، والأديب الشاعر سماء عيسى حفيد الشيخ عيسى بن صالح الطائي، فيما أدار الندوة عبد الله بن محمد العبري الإعلامي ومقدم البرامج التراثية بفضائية الاستقامة العُمانية.

وتطرقت الندوة إلى أبرز قصائد الشيخ العمودية التي تنتمي إلى شعر المناسبات وترتبط بجملة من الأحداث السياسية والاجتماعية في المنطقة العربية، كما سيقف المشاركون في الندوة عند كتاب "القصائد العُمانية في الرحلة البارونية" والذي يتضمّن نصوصا كتبها الشاعر خلال مرافقته للمناضل الليبي سليمان الباروني (1782- 1940)، بتكليف من السلطان سعيد بن تيمور، والذي نفته سلطات الاستعمار الإيطالي آنذاك، حيث طاف الشيخان القاضيان الأخوان عيسى الطائي ومحمد الطائي بصحبته عددًا من ولايات عُمان.

وسلط سماء عيسى الضوء على القراءة الشعرية في تجربة الشيخ القاضي عيسى بن صالح الطائي وقال إنها "تذهب بنا إلى قراءة المراحل التاريخية المختلفة التي عاش فيها الشاعر، وكانت مدادا لموضوعاته وثمرةً لتفاعلاته الإيجابية مع أحداث عصرهِ بشكلٍ عام". وتابع عيسى أن فترة النصف الأول من القرن العشرين كانت غنية بالصراعات السياسية المختلفة سواء المحلية منها أو تلك التي دخلت فيها القوى الأجنبية طرفا مُساندًا لطرفٍ محلي دون آخر؛ أي إن الدليل لقراءة شعره إنما هو التاريخ السياسي لزمنه، ويمكن الولوج إلى دراسة ذاك التاريخ من خلال شعره وينسحب ذلك بالطبع ليس عليه فحسب؛ بل على التجربة الشعرية العُمانية عموما في مراحلها التاريخية المختلفة، وذلك بسبب تفاعل شعرائها الحميمي مع أحداث عصورهم وانعكاس ذلك التفاعل كجوهرٍ أساسي دفعوا بسببه عدم استقرار الحياة والسجون والمنفى وصولًا إلى الاستشهاد بسبب مواقفهم المتجلية في أشعارهم.

وتربى الشيخ عيسى الطائي في كنف عائلة عُرفت بالعِلم عبر سلالات طويلة تعاقبت على تعليم الفقه واللغة، وتعاقبت على القضاء الشرعي ما أهّله منذ صغره، لأن يكون ابنًا لهذا الإرث الديني الأدبي، مُتطلعًا إلى الإضافة والتميز، وذلك عبر طموحه في الانفتاح على التجارب التنويرية العربية التي بدأت تجد لها انتشارًا ومحبة لدى القلة من الفقهاء والشعراء العُمانيين آنذاك؛ حيث إن العزلة التاريخية التي عاشتها بلادهم في تلك الفترة تسببت في عدم تفاعلهم مع المحيط السياسي والثقافي العربي والإسلامي.

ويتتبع الأستاذ سلطان بن مبارك الشيباني بحميميةٍ هذا التفاعل الإيجابي للشيخ عيسى الطائي عبر اطلاعه على وثائق يدرج فيها هذا الشوق والطموح لدى شاعرنا نحو الخروج من البوتقة التي تفرض التكرار اللغوي الفكري إلى عالم أكثر رحابة يمنحه التجديد في الرؤى والتطلع بشغف نحو الوصول بتجربته الشعرية إلى مُعانقة رياح التجديد في المشرق العربي وبلاد المغرب على حدٍ سواء.

وأشار سماء إلى أن الشيخ عيسى الطائي كانت تجربته الأولى للتطلع إلى العالم خارج عُمان جاءت في عهد السلطان فيصل بن تركي وكان حينها لا يزال فتى يافعًا يعيش في كنف أبيه الشيخ صالح بن عامر الطائي قاضي المحكمة الشرعية بمسقط، وجاء رحيله المفاجئ إلى الأستانة رغبة في ملاقاة المجاهد الباروني عندما سمع عن وجوده بها، ويقدر الباحث الشيباني أن عمر الشيخ آنذاك كان اثنين وعشرين عاما، وكانت رحلة الشيخ في عام 1328هـ، وتلك المرحلة كانت قبل بيعة الإمام سالم بن راشد الخروصي الذي بويع بالإمامة عام 1331 للهجرة. وقال إن ذلك العام شهد انتشار أجمل قصائد الشيخ على صعيدٍ عربي واسع؛ حيث نُشرت قصيدته بالصحف التونسية والجزائرية والمصرية والتي كتبها في مديح قطب الأئمة العلاّمة الجزائري محمد بن يوسف أطفيش وذلك قبل أربعة أعوام من وفاته وهو الذي وجه له الشيخ قصيدته الغرّاء، وتتكون القصيدة من 75 بيتًا وتكشف عن قدرة الشيخ الشعرية واللغوية وعن موهبة متميزة لم يُقدر له الاستمرار على تطويرها؛ إذ جاءت القصائد اللاحقة في ديوانه دون المستوى الفني العالي لهذه القصيدة.

وذكر سما عيسى في مطلع هذه القصيدة:

هل نسمة بالغرب طيبة الشذا

تُحيي فؤادًا ذاب من حر الجوى

وبيّن عيسى أن القصيدة ورغم أنها من قصائد الشاعر المُبكِّرة، إلّا أنها قدمته كشاعر موهوب لغويا وبلاغيا، وأنه لم يكتب قصيدة في مستواها الفني بعد ذلك، وأن العلاّمة أطفيش كان قدوة الشاعر الأولى.

وذكر سماء عيسى أن القصيدة الثالثة للشيخ عيسى الطائي كانت في حروب الإمام سالم بن راشد الخروصي وذِكر انتصاراته، وهي "رائية" كتبها من بحر البسيط في سبعة وخمسين بيتًا.

وختم سماء عيسى حديثه -خلال الندوة- بالقول "إن الطاقات الشعرية للشيخ والشاعر والقاضي عيسى بن صالح الطائي والتي تجلّت في قصائده الأولى تراجعت لاحقاً بسبب اهتمامات الشيخ المكثفة بعمله القضائي والسياسي وهي التجربة التي أخذت منه كل طاقاته الإبداعية وذلك ما لوحظ من حيث انطفاء صوته الشعري متجهاً بكامل طاقاته إلى العمل القضائي والسياسي حتى وفاته وهو في بداية الستينات من عمره، وربما لو لم يفقد ديوانه الشعري غير المطبوع، واطلعنا على تجربته الشعرية الكاملة لكان لنا رأي آخر أكثر عدالة وانصافاً لتجربته الشعرية".

تعليق عبر الفيس بوك