كيف نتخلص من الغول؟

 

سليمان المجيني

tafaseel@gmail.com

لكل حكاية اجتماعية مرادف لها في عالم الاقتصاد أو حتى السياسة، وكل الحكايات لها بداية وحبكة ونهاية إلا أنها تختلف بحسب صانعها وطريقة نهايتها أسلوبًا وسردًا، وقد تأخذ بعض الحكايات صفةً شعبيةً لشهرتها وتداولها بين الأفراد وطول مكوثها يدل على سهولة سردها أو صلابتها وحبكها التي تتصف بالفرادة، وبقدر ما تحمل الحكايات بذور البقاء في عقول وقلوب الناس تحمل أيضاً بين ثناياها بذور الفناء والنسيان، وبتداول الزمن بين الناس ومراحل الحياة يتم طمس حكاية لتظهر حكاية أخرى تتناسب مع ذلك الجيل.

غير أنَّ الحكايات الثقيلة، ذات الوزن الثقيل المرتبطة بحادثة مشهورة في المجتمع الشعبي أو المالي أو السياسي تبقى ظاهرة لا يمكن الاستغناء عنها أو تجاهلها، ومع ذلك؛ فلا بد للزمن أن يأتي عليها ويتجاوزها لصالح حكاية أخرى، أما مواضيع الحكايات فتعتمد على مزاج الجيل وحبه أو كرهه لها، ولطالما زخرت البيئة العُمانية بالكثير من الحكايات الاجتماعية البحرية والزراعية والجبلية، حكايات الغموض والتشويق والخرافة وغيرها.

يتحفنا العالم بحكاياته أيضاً ومغامراته التي ستبقى الأجيال تتداولها وتحكيها لأجيال غيرها، وستبقى حكاياتنا أو حكاياتهم هي سدة الرأي الصواب ومسحة الحكمة ومنبع الذوق الرفيع، نتعلم منها الاندفاع لرأي أو الصد عنه، الشجاعة أو الجُبن، المروءة أو السماجة، الكرم أو البخل.  نتعلم منها ونتأثر بها لكنها ليست النهاية؛ فطرق العلم ومنابعه كثيرة بل لا تحصى طالما يعيش الفرد على هذه البسيطة.

من الحكايات المؤلمة التي لن نستطيع نسيانها، هي حكاية الأجنبي الذي استثمر بنايات "الحي" لأمد لم يتم تحديده، العقد لم يذكر له نهاية.. مضى "الحي" في هذا العقد سنوات عديدة، وما زال يحصل من خلاله على ريع هذه البنايات مكتملا أو ناقصا، المهم يحصل على ما يرضيه من حصته في تلك الفترة وهو ذو الاقتصاد الضعيف مقارنة بالأحياء التي حوله، ينص العقد على قيام "الحي" بصيانة البنايات على حسابه الخاص ومن ريعه الذي يتحصله منها، أما المستثمر فلا يدفع شيئاً، وهكذا تمضي حكايتنا متوشحة بالظلم لأهله الذين يزداد أعدادهم؛ فلا يجدون أعمالا تتناسب مع مؤهلاتهم. حاول "أهل الحي" البحث عن مخارج عديدة؛ فنظم صيد البحر، والمحاجر وغيرها، إلا أن الأمر لم يفِ بحاجات "الحي" وسكانه الذي يتعاظم ويشكل عبئًا كبيرًا عليه، وضغطًا على الآباء والمؤسسات وحتى على الأمن فيه.

كان بحث "الحي" مستمرًا عن مخرج جديد، ومن ضمن الآراء المطروحة تشكيل شركة خاصة تفي بجميع استحقاقات الصيانة بعيدا عن ميزانية "الحي" لكنها فشلت وأصبح الدين كبيرا عليها وأثقل الكاهل، فشلت الشركة وأصبح حل استرداد البنايات التي هي في قبضة الأجنبي البخيل لا مفر منه؛ الأجنبي الذي لم يصرف ريالا واحدا على تنمية "الحي" الصغير ولم يوفر فرص عمل كثيرة لأبنائه، تقع البنايات في مكان استراتيجي وريعها يمثل نقلة نوعية "لأهل الحي"، ويمكن من خلاله إيجاد فرص عمل كثيرة للأبناء، وكما بدأت الحكاية بهذا الاستثمار بدأت الحبكة في كيفية استردادها، ولأنَّ "الحي" يمتلك رأيه؛ فكانت المشورة تقتضي قيام الشيخ القوي والمدعوم من أجهزته الأمنية بالإضافة إلى الوجهاء بإصدار حكمه بالاستحواذ على البنايات إلا أن الأمر لا يخلو من خطر يهدد مستقبل الاستثمار في "الحي"، وقد يؤثر حتى في العلاقات الخارجية له.

يعلم الجميع أن شروط العقد ظالمة وأن طريقة التوقيع عليه لم تكن بريئة، إلا أنه كان يمثل مخرجًا مناسبًا لمشاكل "الحي" المالية حسب معطيات الواقع في ذلك الوقت، ومع مرور الزمن تبين أن الشريك كان يصطاد في ماء آسن، ومن هذا المنطلق يطرح "مجلس الحي" حلولًا كثيرة ضمنها مضايقة هذا المستثمر العنيد من خلال إشاعة الخطر حول البنايات أو أي شيء آخر يجعل الاستثمار غير مشجع في "الحي"، وتشجيعه على حل العقد نظير مبلغ مالي يدفع على فترات، أو التفاوض معه لجعل نهاية لهذا العقد، هذا العقد العجيب الذي يرأس فيه المستثمر مجلس إدارة البنايات بشكل مطلق، مع أن النسبة التي يتحصلها أقل من النصف، يجعل أهل "الحي" في ذهول مستمر.

مع علم أهل الحل والعقد في "الحي" بظروف التوقيع إلا أن معطيات الواقع الحالي تحكم بتغيير النظرة إليه بعد كل هذه السنين، والتشبث بمجريات العدل الإقليمي والعالمي ولو اقتضى الأمر رفع قضية عالمية يتظلم من خلالها "الحي" على المستوى الذي وصل إليه وطرح الحلول التي تجعله في حل من هذا الاستثمار العجيب وترحب بالاستثمار العادل الذي يراعي مصلحة الطرفين.

ستمكث مثل هذه الحكايات سنينا أكثر في عقول وقلوب "أهل الحي" وستحكي الأجيال ضعف وجهاء "الحي" وعدم قدرتهم على إنصاف حيّهم طالما استسلموا لمقتضاها. يرمز "أهل الحي" لهذا الأجنبي بالغول، وتستمر حكايته لكنها ستنتهي يوماً ما لا محالة، وسيبقى سؤال "أهل الحي": كيف نتخلص من الغول؟ سؤال جاد، سيفكر فيه الأبناء وسيكون الحل قريبًا، طالما زرعت الثقة ووسعت الآفاق، ولن تبقى الحبكة بطول الحكاية؛ بل سيكون للحكاية نهاية تمامًا كما صُنعت هذه الحبكة الطويلة، وسيكون الحل مبهرًا قويًا سائغًا لـ"أبناء الحي".

تعليق عبر الفيس بوك