مصير النيابات الجبلية في ظفار

مسلم سهيل العمري

@alamri_musalam

تشكل النيابات والمراكز الإدارية في محافظة ظفار؛ نسبة عالية من التوزيع الديموغرافي لسكان المحافظة، رغم التبعثر وتباعد القرى الجبلية؛ بسبب طبيعة سطح الأرض.

ولعل التركيب الجيولوجي لجبال ظفار الصدعية، قد استقامت الكتل الرئيسة، لتتحول في أغلب مناطقها إلى أراضِ منبسطة وأودية صالحة للسكن عدا الحواف الجبلية والجروف الصخرية لجبل القمر وجبل سمحان، الأمر الذي جعل من جبال ظفار على مر التاريخ البشري مناطق استيطان بشري وظهير اقتصادي مهم لسواحل ظفار والعالم.

لن نسهب كثيرًا في سرد التاريخ، ولعلنا في هذا الموضع نستذكر التطور والتحول السريع الذي حصل خلال الخمسين عامًا المنصرمة من تاريخ كتابة هذا المقال.

لقد ساهمت التحولات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في عموم المنطقة العربية وسلطنة عمان خاصة، أن تتأثر جبال ظفار وسكانها، بتلكم التغيرات سلبا وإيجابا.

إن تطور مدن الساحل في الخدمات العامة الرئيسية والوظائف والاقتصاد أصبح عاملا جاذبا ومغريا؛ لنزوح العديد من سكان الجبال باتجاه المدن، ويبدو أن الاستيطان الأكثر كان جل تركزه في مدينة صلالة.

اللحظة الفارقة كانت في حجم التطور الاقتصادي الجديد مما جعل النشاط السائد في جبال ظفار ينخفض تدريجيا كالزراعة والموارد الطبيعية الأخرى، لعدم توافق التحولات الاقتصادية مع النشاط الاقتصادي لسكان جبال ظفار الذي ظل بنظمه التقليدية.

لم يكن التوجه الأساسي الأول، كما يقول أحد المهتمين والمتابعين للشأن المحلي؛ لبقاء السكان في تلك المناطق، بل كانت هناك فرص وعروض تُقدم وتسهيلات للهجرة الداخلية نحو المدن.

الأمر الذي أفضى وقاد إلى تغيير، في التركيبة السكانية لظفار؛ حيث تقلص النمو السكاني لبعض المدن على حساب العاصمة الإدارية لمحافظة ظفار. فكانت الخدمات الأساسية (الكهرباء، الماء، الاتصالات) شحيحة في المراكز الجبلية؛ إذ لم تصل هذه الخدمات وخاصة الكهرباء لجبال كخدمة للسكان إلا مع مطلع الألفية الثالثة، بينما ظلت الطرق الترابية مسلكا للقرى حتى العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.

أصبح التحول والتطور السريع لاقتصاد السلطنة واعتماد الكثير من المشاريع والخطط التنموية على حجم التركز السكاني؛ ساعد القائمين عليها في استدراك النمو السكاني المتزايد في جبال ظفار، من القيام بالعديد من المشاريع التنموية وتطويرها مع زيادة أعداد المدارس، والمراكز الصحية، والخدمات العامة المختلفة كالطرق والإنارة، وتوسيع شبكة المياه والاتصالات.

وتشير بعض الإحصاءات إلى أن عدد السكان الحاليين لجبال ظفار يشكلون نسبة عالية من إجمالي سكان محافظة ظفار، وربما بعض سكان النيابات الجبلية يفوق سكان بعض ولايات السلطنة.

وسكان تلك النيابات والمراكز الجبلية يطمحون في مستقبل محفز ينعمون بكافة احتياجاتهم، ويتطلعون إلى رفاه اجتماعي جديد معتمد على الاستقرار والسلم الاجتماعي، ممثلًا في العيش الكريم، وحقوق المواطنة في الاستقرار الدائم، وممارسة أنشطتهم الاجتماعية والاقتصادية، وتطوير وتحسين الموارد الطبيعية التي تحفظ لهم طبيعة ونمط حياة وثقافة سكان الجبال على امتداد التاريخ البشري.

ويجد بعض سكان جبال ظفار، القرارات الإدارية الأخيرة كإلغاء النيابات الجبلية؛ مخاوف من رجوع هجرة مضادة إلى المدن.

وربما تحويل مديرية المياه التي تعنى بتزويد المناطق الجبلية بالمياه، إلى شركة، وانقطاع المياه حالياً عن كثير من التجمعات السكانية، قد يشكل صعوبة البقاء في العيش الآمن للإنسان وحتى الحيوان. كما إن نقل الخدمات إلى مراكز الولايات، قد لا يساهم في التوزيع المتوازن للسكان، ويعمل على إعادة فجوات التبعثر السكاني على مواطن السكن الحقيقي.

يسأل أحد المواطنين: هل سيكتب لنا فصل آخر من التنقل والتغيير الديموغرافي؟

تعليق عبر الفيس بوك