حاتم الطائي
◄ الدبلوماسية العُمانية تحظى باحترام وتقدير مختلف دول العالم
◄ عُمان ترفض تغليب "البرجماتية السياسية" على حساب القيم والمبادئ الراسخة
◄ الدبلوماسية الاقتصادية تحقق العديد من المنافع وفي مقدمتها زيادة الاستثمارات
الحديث عن الدبلوماسية العُمانية وقوتها الناعمة في مُختلف القضايا الإقليمية والدولية، لا يقف عند ملفٍ بعينه، ولا ينتهي بانتهاء أزمة هنا أو هناك؛ بل هو حديث يتواصل مع استمرار التحديات والأزمات التي تُهدد الأمن والاستقرار إقليميًا وعالميًا، ليس فقط على المستوى السياسي أو العسكري؛ لكن أيضًا على المستوى الاقتصادي.
نُدرك أن التحديات والأزمات بين الدول، لا تقف عند حدود السياسة والدبلوماسية التقليدية، مثل قطع العلاقات أو سحب السفراء أو التلاسن الإعلامي، وغيره من أشكال التوتر السياسي بين الدول والأنظمة، لكنها تمتد لتشمل نواحي عديدة، تفرز تداعيات اقتصادية تؤثر على كل مجالات الحياة، حتى أنها تضر بالأمن الغذائي والمائي والصحي للشعوب. غير أنَّه في خضم مثل هذه الأحداث والتطورات التي تُؤثر بالسلب على استقرار الدول، يتجلى دور الدبلوماسية في نزع فتيل الأزمات، والعمل كإطفائي يُخمد نيران الحروب والفتن، ويفتح الباب أمام التفاوض والنقاش والحوار، بما يُساعد في تحقيق السلام والأمن والاستقرار.
والحقيقة أنَّ الدبلوماسية العُمانية، ومنذ القدم، تمثلُ واحدة من أقوى المنظومات الدبلوماسية حول العالم، وليس على مستوى منطقة الشرق الأوسط وحسب، وذلك من منطلق أساسي ورئيسي ألا وهو السعي نحو تحقيق السلام وترسيخ قيم التعايش بين الدول. ولطالما كانت هذه الدبلوماسية تحظى باحترام وتقدير مُختلف دول العالم، والجميع يتفاءل عندما تتواتر الأنباء عن وساطة عُمانية في قضية هنا أو هناك، فما إن تتوسط عُمان في أزمة إقليمية أو دولية، إلّا كُتب لها الانفراجة والحل، وصار المتخاصمون، متحاورين، وتحولت الأطراف المتنازعة إلى قوى تفاوضية تستهدف التوصل إلى أرضية مشتركة يمكن من خلالها إرساء المبادئ والأسس التي تكفل تحقيق أهداف كل طرف، دون جورٍ أو انتقاص من حقوق وتطلعات الطرف الآخر.
الدبلوماسية العمانية، رسولُ سلامٍ، ومرسالُ خيرٍ ووئامٍ للعالم أجمع، والسبب الرئيس وراء ذلك أنها ترتكز في جوهرها على مبدأ "الحياد الإيجابي"، الذي تنتهجه منذ القدم، وتسير على دربه رغم الأشواك والعقبات.. فكم من مُحاولات بائسة سعت إلى التشكيك في حيادية ونزاهة الدبلوماسية العُمانية، غير أنَّ صلابة الموقف العُماني الراغب في أداء رسالته المبنية على القيم والمبادئ التي لا يمكن الحياد عنها، تمثل ركيزة أساسية في مسيرتها نحو تحقيق السلام.
العالم من حولنا يرفع شعار "برجماتية السياسة" القائمة على لغة المصالح لا غير، لكننا في عُمان نؤمن بـ"رساليّة السياسة" المرتكزة على القيم والمبادئ الأصيلة، النابعة من ثقافتنا وهويتنا ورؤيتنا للعالم من حولنا.
والأحداث المُتعاقبة على منطقتنا والعالم، برهنتْ أن عُمان وسيط خيرٍ وسلامٍ، استطاعت في مواقف عديدة أن تُطلق مبادرات لرأب الصدع ونزع فتيل الأزمات، وإخماد الحرائق قبل أن تتوسع وتلتهم الأخضر واليابس، وهذا الدور المحوري المؤثر للغاية، ليس تدخلًا ولا يُمكن اعتباره كذلك، فالأطراف المُتخاصمة هي التي تأتي لعُمان طلبًا للوساطة، وسعيًا لتوفير أجواء من الهدوء والتوازن، بعيدًا عن التشنجات السياسية والتلاسنات الإعلامية هنا وهناك.
لقد تحوّلت عُمان- بفضل ثوابتها الدبلوماسية- إلى قِبلة للباحثين عن الوئام والاستقرار، وباتت منصة محايدة لا تميل إلى هذا الفصيل ولا ذاك؛ الأمر الذي زاد من قناعات الدول والمنظمات، بأنَّ العالم في حاجة ماسّة إلى الوسيط النزيه، الوسيط الذي يؤدي دوره من منطلق القناعات الذاتية بضرورة إحلال السلام وبسط الاستقرار، لا من ألاعيب السياسة ودروبها المتعرجة الراغبة في تحقيق أكبر قدر من المكاسب.. ورغم أن البعض يتحدث بصوت مرتفع الآن ويُطالب بأن تسعى عُمان لكي تستفيد من دورها الدبلوماسي في حل الأزمات، من خلال الحصول على منافع أو مكاسب، سياسةً كانت أم اقتصادية، إلّا أن صوت الحكمة يظل يعلو فوق الجميع، ولا يمكن للدبلوماسية العُمانية العريقة أن تمارس أدوارها ومسؤولياتها تجاه الإقليم والعالم من أجل صفقة تجارية هنا أو هناك.
لكن في المُقابل، ندعو دائمًا إلى أن تُعزز عُمان من دور الدبلوماسية الاقتصادية، والتي تعني باختصار شديد، توظيف العلاقات الإيجابية القوية والراسخة مع مختلف دول العالم في بناء شراكات اقتصادية، وجذب رؤوس أموال أجنبية، تسهم في تحقيق الأهداف الطموحة التي نسعى لها، وفي المُقدمة منها أهداف رؤيتنا المستقبلية "عُمان 2040"؛ إذ تمثّل الاستثمارات الأجنبية جزءًا أصيلًا من خططنا واستراتيجياتنا الساعية نحو توفير فرص العمل وتوسيع الأنشطة الاقتصادية، وإنعاش الأسواق، ولن تتأتى هذه الاستثمارات دون تفعيل حقيقي للدبلوماسية الاقتصادية. وهذا النوع من الدبلوماسية سيعود بالنفع كذلك على التجارة الحرة بين عُمان ومختلف الدول، ففي ظل توقيع عُمان لاتفاقيات تجارة حرة مع عدد من الدول، يمكن القول إنها لم تحقق الأهداف المرجوة بالكامل، ولذلك فإنَّ هذه الدبلوماسية الاقتصادية لن تتحقق سوى بتكاتف الجهود، وتعميق الشراكة بين القطاعين العام والخاص، فلا يكفي أن تتولى الحكومة أو جهاز الاستثمار العُماني مسؤولية تفعيل الدبلوماسية الاقتصادية، لكن كذلك على غرفة تجارة وصناعة عُمان دور مهم، من خلال تسيير الوفود التجارية إلى العديد من الدول، للتباحث حول فرص الاستثمار والتبادلات التجارية وغيرها.
ويبقى القول.. إنَّ الحياد العُماني نهج راسخ تلتزم به الدولة في مختلف القضايا والملفات، ويؤكد- دون أدنى شك- أن عُمان قادرة على الإسهام في تحقيق السلام والاستقرار؛ إقليميًا ودوليًا، وعلى كل مواطن ومواطنة أن يفخر بما يتحقق من ريادة عُمانية في هذا الجانب، وأن يعلم الجميع أن الدور العُماني محل ثقة وتقدير في أنحاء العالم، وحديثي هنا عن أصحاب النوايا السليمة وذوي البصيرة النافذة، الذين يرون بعين الحقيقة، إيجابية الدبلوماسية العُمانية وقدرتها على تذليل الصعاب وتهيئة المناخ اللازم لتجاوز عقبات السياسة وعثراتها.