ضعف المخرجات.. واقعٌ متعطشٌ للحل

 

 

سعيدة بنت أحمد البرعمية

 

لا أدري لِمَ الاستياء من تصريح سعادة السيد سالم بن مسلم البوسعيدي وكيل وزارة العمل لتنمية الموارد البشرية، حول ضعف المخرجات التعليمية في جوانب محددة؛ وهي: المعرفة والمهارة والسلوك؟! هل أصبحنا نحبُّ الإطراء على حساب دحض الحقائق، أم أنّ هناك من نظر إلى التصريح على أنه حجة على التوظيف!

إنّ وجود مخرجات ضعيفة- وهذا أمر وارد- ليس سوى حصيلة أسباب ومُسبِّبات آزرت بعضها للوصول بالخريج إلى هذا المستوى من التأخر؛ فلابُد من إيجاد الحلول لإصلاح هذا الخلل عن طريق التدريب الملائم للخريجين، كلٌ حسب تخصصه في دورات تدريبية مقرونة بالتوظيف لتخطي هذا المنعطف؛ فالأمر بأمسّ الحاجة للمعالجة أكثر من أيّ وقت مضى.

هناك بالفعل نسبة كبيرة من المُخرجات الضعيفة، ولنكن أكثر موضوعية في مناقشة الأمور، فإن سعادة الوكيل حدد جوانب الضعف؛ الجانب الأول: المعرفة، وطبعًا أول سبل المعرفة، الأسرة ثم المناهج التعليمية. والجانب الثاني: المهارة، فيما تمثل الجانب الثالث في السلوك، والأخيران يتحققان من خلال المعرفة التطبيقية وهذا لن يتحقق طالما لم تتغير الخطط التعليمية وتصبح أكثر منهجية وعملية.

إنني أتفق مع تصريح سعادة الوكيل وبشدة؛ فقد لمستُ هذا الضعف من واقع تجربة، فكوني مطلّعة بشكل دائم على المناهج الدراسية كولية أمر لاحظت كغيري من أولياء الأمور أنّ المناهج  الدراسية ليست بالمستوى المعرفي الذي نطمح إليه، وبحكم دراستي الجامعية لمستُ الوضع ذاته في مناهج الجامعة؛ فقد درستُ مساقات ليس لها علاقة بتخصصي بدلًا من مساقات كان يُفترض أن تكون في خطتي الدراسية. وكوني قد مارست مهنة التدريس بالأجر اليومي وجدتُ الكثير من الثغرات في القطاع التعليمي التي بدورها تنعكس على أداء الطالب وتحصيله المعرفي، وبما أنني أمارس الكتابة والنشر؛ فقد كتبت عدة مقالات في نقد القطاع التعليمي ولكن دون جدوى.

لا يمكن أن نصل بعد قطع مشوار مع التحصيل المعرفي إلى المعرفة المطلوبة دون أن نقف منذ البداية على أسس منيعة بخطط منهجية تضمن مخرجات رصينة، فالنظر بالدرجة الأولى في المناهج وخطة سير العملية التعليمية، وإقران التحصيل المعرفي بالتطبيق العملي الحل للوصول لمخرجات جديرة بأن تكون سواعد الوطن، فهناك مناهج ما زالت تجريبية لاسيما المنهاج الدراسي لجيل 2006، لا أدري لماذا هذا الجيل بالذات منهاجه تجريبي لسنوات متوالية، جيل بالكامل يعد "فئران معرفة" في تجربة تحتمل النجاح أو الفشل.

أمّا من ناحية تطوير الجانب المهاري والسلوكي للمخرجات فنحن بحاجة للتعليم التطبيقي إلى جانب التعليم النظري، فمن غير المنصف أن نركز في منهجية المعرفة على الجوانب النظرية ثم نطالب المخرجات أن تكون جيدة في المجال التطبيقي!

لا يُعقل أنْ نستاء من تصريح وكيل العمل لتنمية الموارد البشرية، ونحن نعلم تذمُّر أولياء الأمور والمعلمين من ضعف المناهج التعليمية وعدم قدرتها على تشييّد بناء الطالب السليم، ونعلم التذمر ذاته من مكوث الطالب طويلًا في المدرسة والعودة آخر النهار بجسم منهك وعقل مُشتت؛ ليستلم بعدها سلسلة من الواجبات المدرسية والأعمال التي يفترض أن يقوم بها الطالب بنفسه وتكسبه الهدف من مهارة القيام بها، لكن غالباً ما يقوم بها أحد أفراد الأسرة لصعوبتها على الطالب أو لضيق وقته أو بحكم تكليفه بالحفظ والقراءة والتحضير في مواد أخرى؛ ليسلمها الطالب في اليوم التالي باسمه وينال درجة القيام بالعمل غير مكتسب للمهارة المطلوبة.

إنّ الوقوف على جوانب الضعف ونقدها خطوة إيجابية كنّا ننتظر الإفصاح عنها؛ بما يضمن خلق الحلول اللاّزمة لتجاوزها والتقليل منها، فيجب أن ننظر إلى التعليم من مبدأ "الكيّف وليس الكم"؛ لا يهم أن يحصل الطالب في جميع مواده على المستوى (أ) أو (ب) في الشهادة، بينما تحصيله الحقيقي (ج) أو (د) أو ما دون ذلك.

يجب أن تتغير نظرة التحصيل المعرفي من كونه أرقاماً وشهادة ورقية معتمدة، إلى تحصيل حقيقي ملموس يفصح عن المتعلم من خلال مهاراته المختلفة وممارساته في سوق العمل وفكره المكتسب من العملية التعليمية لسنوات طويلة خضع لها.

هناك أمور يجب أن تتغير وأخرى تتطور، بداية من الأسرة والمنظومة التعليمية في المراحل الدراسية الأولى والمتوسطة، مرورا بالتعليم العالي وإيجاد فرص عمل للخريجين فور تخرجهم دون انتظار؛ فالانتظار يؤخر الكثير من تقدم البلد وينعكس سلبًا على المستوى الشخصي للخريج.

لا بُد من إعادة التخطيط للعملية التعليمية للأجيال القادمة، ومعالجة ما نحن فيه الآن من خلال تشكيل هيئات تعنى بأمور الخريجين وتأهيلهم لمواكبة سوق العمل، فيكفيهم ما هم فيه من التأخر والضعف والخذلان؛ فقد تعلموا منذ مراحل دراستهم الأولى أنهم سواعد الوطن واللبنة الأساسية في بناء المجتمعات، فلا يستقيم البناء إلاّ بهم، وما زالوا يؤمنون بذلك وينتظرون فرصتهم.

شكرًا سعادة السيد سالم بن مسلم البوسعيدي لإفصاحك عن ضعف المخرجات، ووقفوك أمام الجميع لتقول: "يجب أن نبني كفاءاتنا الوطنية حسب احتياجاتنا الوطنية التي نخطط لها".

وانطلاقًا من هذا النطق الوطني، نترقبُ وضع الخطط اللازمة للنهوض بالمخرجات ووضع الحلول المناسبة لجبر هذا الكسر والحدّ من تفاقمه بين الأجيال اللاّحقة؛ بوضع خطط تعليمية حديثة مستقاة من خطط عالمية ناجحة؛ كالاستفادة من التجربة التعليمية اليابانية القائمة على دمج التعليم النظري مع التطبيق العملي على حدّ السواء.