الدروس الخصوصية.. مفيدة أم عبء على الأسرة؟

 

سلطان بن ناصر القاسمي

 

نعم، كلنا حريصون على مستقبل أولادنا، ومستعدون لبذل كل ما في وسعنا في سبيل الوصول بهم إلى الهدف المنشود، وهو الحصول على أعلى النسب، وأفضل التخصصات، وفي أرقى الجامعات، سواء داخل الدولة أو خارجها، ولكن الذي لا يعلمه الأولاد، ولا ينتبه له الأفاضل المعلمون- هو أن الأسرة تتكبد جهدا ماديا، ومعنويا، يدفعها دفعا في سبيل التأكد من التحصيل العلمي لأولادهم.

وقبل الخوض في تفاصيل مصطلح الدروس الخصوصية، لا بُد من تعريفه بأنَّه عبارة عن حصة تعليمية يتلقاها الطالب في منزله من قبل معلمه في الصف، أو من معلم آخر في التخصص نفسه، يتميز في أداء عمله، حيث يقوم هذا المعلم بشرح المادة بطريقة تناسب فهم الطالب، وقدراته، كما يساعده في حل واجباته، ويمكن أن يتلقى الدرس الخاص بمفرده، أو مع جماعة قليلة، علمًا بأن هذه الحصص مدفوعة الأجر، وليست مجانية، وأجورها قد تصل إلى أرقام خيالية في بعض الأحيان، ناهيك عن عملية التنقل، وضغط الطالب في أيام الدراسة بين التحضير، وحل الواجبات، وبين الدروس الخصوصية.

إذن أصبحت الدروس الخصوصية في أيامنا هذه ظاهرة مألوفة، وكثيرًا ما نشاهدها بأم أعيننا، وخصوصًا لدى الأسر ذات الدخل المرتفع، والمتوسط.

قبل أعوام قليلة ماضية اقتحم هذا المصطلح عالم التعليم، والأسرة، فتسبب ذلك في هرج ومرج بين الناس، بين مؤيد ومعارض له، وكل نظر إليه حسب قناعته، حيث بدأت في وقتنا الحاضر ظاهرة اجتماعية تعليمية متداولة، على الرغم من عدم تحقيق أهدافها بشكل ممتاز لدى بعض الأسر، ناهيك عن الأعباء المادية الناتجة عنها.

وعلى كل أسرة قبل اتخاذ قرار الخوض في غمار الدروس الخصوصية وضع عدة أسس وقواعد تمكنها من تقييم محصلة وجوب الدرس من عدمه ومنها الآتي:

1- تقييم كفاءة جودة التعليم المدرسي، ونعلم جميعًا أن هناك فروقا في أداء المعلمين، وامتلاك الدافع لدى كل معلم، والتحفيز الذي يحصل عليه.

2- تقييم مستوى الطالب الدراسي، وقدرته على التحصيل بمفرده، دون مساعدة، علمًا بأنَّ هناك حالات كثيرة فعلا نجحت دون مساعدة الدروس الخصوصية، والأجيال السابقة ممن تبوأ مناصب عليا، ووصل إلى درجات علمية كبيرة كان هذا دون دروس خصوصية.

3- تقييم صعوبة المادة الدراسية، وعدم قدرة الطالب على الاستيعاب، وعدم تمكن ولي الأمر من مساعدة أولاده.

4- قدرة الأسرة المادية على تحمل الأعباء المتعلقة بالدروس الخصوصية، وهذا أهم جانب مهم لابد من أخذه بعين الاعتبار

5- فهم وإدراك الطالب للأعباء التي تترتب عليها تلك الدروس لدى الأسرة، وتحمل المسؤولية معهم في التخفيف عن كأهل الأسرة بمحاولة التركيز، والفهم داخل الصف المدرسي، دون تضييع للوقت، وضرورة الانتباه للشرح، والتحصيل.

وقد أسهمت مجموعة كبيرة من الأسباب في شيوع مصطلح الدروس الخصوصية، وانتشاره بين أوساط الطلبة، والأسر بشكل عام، ومنها:

1- ضعف المستويات التحصيلية في بعض المواد لدى الطلاب نتيجة للأعداد الكبيرة في كل صف، رغم جهود وزارة التربية والتعليم في التخفيف من حدة هذه المشكلة، وكذلك عدم قدرة بعض الطلاب على التحصيل المباشر للمادة، وتساهل بعض المعلمين الأفاضل في السيطرة على بيئة الصف، وطلابه.

2- وقت الحصة الدراسية مقارنة بالوقت اللازم الذي يمكن المعلم من إيصال شرح المادة بشكل جيد لطلابه، واستيعاب هؤلاء الطلبة لها، ناهيك عن وقت الشرح غير الكافي الذي يتطلب توفير وقت لتساؤلات الطلبة، واستفساراتهم عن النقاط الصعبة في الدروس، أو المعلومة الضائعة من الطلبة نتيجة انشغال، أو سرحان بعضهم.

3- الفوارق الفردية بين الطلبة فيما يخص الفهم، والاتكالية على الدروس الخصوصية لدى بعضهم.

4- ضعف الدخل المادي الذي يتقاضاه المعلم لقاء عمله في المدرسة، مقارنة بالتكاليف المرتفعة للدروس الخصوصية، علمًا بأن هناك أعدادًا قليلة من المعلمين العمانيين ممن يمارسون ذلك، تاركين الميدان للمعلمين الوافدين بشكل أكبر.

5- تشجيع الطلبة على عدم الالتزام بالحصة الدراسية، نتيجة شعورهم بعدم جدوى ذلك، ووجود البديل للمعلم في شرح المادة في الدرس الخصوصي، وهذه تعتبر كارثة في حد ذاتها؛ إذ تضيع معها قيم التعليم، وآدابه.

وبعد ذكر الأسباب كان لابُد من التعريج على مميزات، وإيجابيات الدروس الخصوصية، وسلبياتها، وتظهر تلك المميزات من الناحية الايجابية في النقاط الآتية:

1. رفع كفاءة الطالب الدراسية في وجود معلم خصوصي يساعده بشكل فردي على المراجعة، وشرح ما قد تعذر فهمه في الحصة الدراسية، ومساعدته في حل واجباته.

2. متابعة ولي الأمر لمستوى الطالب عن قرب، وتقييم جهده في ذلك، من خلال نقاشة المستمر مع المعلم الخصوصي، إلا أن ذلك لا يعني عدم المتابعة مع المدرسة.

3. تخفيف العبء الذي من الممكن أن يقوم به ولي الأمر في متابعة ابنه أو ابنته، ومعرفة مستواهما الدراسي في المدرسة بشكل متكرر؛ نظرًا لالتزامه بعمله، وشؤون بيته الكبيرة.

4. تشجيع الطالب على التركيز، وزرع الثقة في إمكانية تحقيق الهدف المرسوم من الأسرة، والطالب في اختيار التخصص الذي يرغب في دراسته الجامعية مستقبلا.

5. ثقة الطالب بنفسه من خلال ما سيبذله المعلم الخصوصي للمادة معه في تقديم كل ما في وسعه من خلال تحفيزه، وتشجيعه على الحصول على أفضل النتائج، وحتى يستطيع كذلك المعلم تسويق نفسه للسنوات القادمة.

6. شعور الطالب بالدعم المعنوي، والأكاديمي، وذلك بوجود معلم خصوصي لا يتركه وحيدًا، بل سيساعده، ويأخذ بيده لشرح جميع النقاط الصعبة التي من الممكن أن تواجهه في الحصة المدرسية الأساسية.

وعلى الرغم من وجود تلك المميزات، والفوائد التي انتشرت بحجتها الدروس الخصوصية، إلا أن لها الكثير من السلبيات التي من الممكن أن تكون مؤثرة تأثيرا كبيرا، وتصبح عديمة الفائدة، ومنها:

  • عدم رغبة الطالب في الدراسة نتيجة مؤثرات خارجية لبعض الأفكار التي تحيط بهذه الفئة العمرية المراهقة.

ب. تنمي روح الاتكالية لدى الطالب، وانخفاض مستوى الرغبة لديه في البحث، والاستقصاء لإيجاد المعلومة، ومحاولة البحث عنها، وحلها.

ج- تشجيع الطلبة على عدم الالتزام بالحصة المدرسية، ومحاولة تضييع الوقت الدراسي في المدرسة لشعورهم بعدم جدوى ذهابهم، ووجود البديل في الدرس الخصوصي الميسر لهم.

 

د. العبء المادي الذي يترتب على الأسرة المتوسطة في الدخل، والأسرة ذات الدخل المنخفض؛ بسبب ارتفاع تكاليف الدروس الخصوصية للمواد كلها.

هـ. إحداث خلل في ترتيب الطالب لأولوياته في تنظيم الوقت للتحضير، والمذاكرة، وحل الواجبات، وتنفيذ المشاريع المدرسية، وحضور الدرس الخصوصي.

و. عدم الانتباه في الحصة الدراسية خلال شرح معلم الدرس من قبل معلم المادة الأساسي لاتكاليته في وجود معلم خصوصي يأتي إليه في المنزل، وباستطاعته شرح ما يقوم به معلم المادة، وبذلك لا يعير الاهتمام الكافي للحصة المدرسية الأساسية.

ز. محاولة تضييع الوقت في الحصة على زملائه بإحداث الفوضى، وإثارة الشغب، وعدم قدرة المعلم في السيطرة على بيئة الصف المدرسي.

ح. تراخي بعض معلمي المواد في الحصة في إيصال المعلومة بالشكل الجيد، وعدم الحرص على ذلك؛ نتيجة مسببات خارجية قد تكون، أو تحصل؛ ومن ثم  تتضرر فئة من أولاد الأسر ضعيفة الدخل، أو حتى متوسطة الدخل، التي لا تستطيع توفير معلم خصوصي لأولادهم.

  • أحيانًا تكون هذه الدروس لمجرد التقليد والتباهي بين الناس، رغم وجود الأولاد في مدارس خاصة، ومهيأ لها بيئة صفية ممتازة، ويتم دفع الأموال الطائلة في السنة لهم؛ بهدف تمييز الأولاد دراسيًا، وظهورهم بمظهر الطلاب الممتازين علميا.

وتعد الدروس الخصوصية ظاهرة منتشرة، ويجب ألا نعممها لدى جميع الأسر، وإنما بعض الأسر.

وعليه، فإننا نقول لكل من يعتمد عليها: عليكم الانتباه لما يقدمه ذلك المعلم الخصوصي، وكذلك قدرة استيعاب، ورغبة أولادكم لهذه الدروس، وعليه، فيجب عدم الاعتماد عليها كليا؛ لأن ذلك يخلق في بعض الأحيان طالبا كسولا غير متحمل المسؤولية؛ لذا يتوجب على ولي الأمر الانتباه إلى الحالات الآتية :

1- عند سهولة المواد، وقدرة الطالب على مذاكرتها، واستيعابها بنفسه بالقليل من الجهد.

2- إذا كان ولي الأمر قادرًا ولديه الوقت لمساعدة أولاده في مذاكرة بعض الدروس لهم.

3- عند التأكد من كفاءة العملية التعليمية في المدرسة التي يرتادها الأولاد.

  1. عند توفر بدائل الدروس الخصوصية، مثل الفيديوهات التعليمية على شبكة الإنترنت التي من الممكن للطالب متابعتها، واستغلالها الاستغلال الأمثل.

ومن خلال ما تم طرحه أعلاه، لا بُد من التوجه إلى كل الأطراف القائمة على العملية التعليمة:

أولا: الوزارة؛ إذ يتطلب منها بذل الجهد في التغلب على الأعداد الكبيرة في الصفوف، وخصوصًا المرحلة النهائية من الصف التاسع، إلى الصف الثاني عشر، بفتح مدارس إضافية، وهذا من الممكن أن يساعد على التغلب على مشكلة الباحثين عن العمل في المجال التربوي. كذلك الإشراف القريب على التعليم في هذه المراحل، ومحاولة ابتكار الوسائل المساعدة للطالب في الاستيعاب، والتركيز.

ثانيًا: إدارات المدارس، يتوجب عليها من خلال الإشراف القريب، وتقويم النتائج لمحصلة الطلبة لأفضل المعلمين، ووضعهم للصفوف المذكور أعلاه.

ثالثًا: الأسرة، وعليها متابعة الأولاد عن قرب، ومساعدتهم على المذاكرة، وتنظيم أوقاتهم، والبحث عن الوسائل والمساعدات المتوفرة على الإنترنت لهم.

رابعًا: الطالب، الذي يجب أن يراعي المتاعب، والتزامات ولي الأمر، ومحاولة بذل الجهد، وتنظيم الأوقات، واستغلال الحصص المدرسية الأساسية، والمذاكرة أولًا بأول؛حتى يتمكنوا من التغلب على النقاط الصعبة في الدروس النقررة عليهم.

وأخيرًا.. إن الدروس الخصوصية وسيلةٌ وليست غاية، وهي سلاح ذو حدين، فهي إما أن تكون مفيدة ونافعة، وذلك إذا ما استعملت لسد ثغرات عدم قدرة الأولاد على الاستيعاب، وتوضيح بعض النقاط التي بقيت مبهمة؛ لعدم الانتباه الكامل لشرح معلم الحصة الأساسي، ولكن على الجانب الآخر يمكن أن تكون سلبية، وذلك إذا ما استعملت بشكل غير سليم بأن تعود الطالب على الاتكالية، والحصول على المعلومات بطريقة سهلة، وجاهزة من المعلم الخصوصي للمادة. ومن ثم يقتل فيه حافز البحث عن المعلومة، وعدم الاعتماد على نفسه في حل واجباته، وعدم تحفيزه على الحفظ والمذاكرة الذاتية.

وفق الله جميع أولادنا على تحقيق أهدافهم، والنفع بهم، والأخذ بأيديهم إلى التفوق، ونيل أعلى الشهادات؛ لنفع البلاد، والعباد.

تعليق عبر الفيس بوك