يوسف عوض العازمي
alzmi1969@
"بالنسبة للإنسان الذي لم يعد لديه وطن، تصبح الكتابة مكاناً له ليعيش فيه" ثيودور أدورنو.
------
هناك من يقول إن الكاتب هو ذاته الكاتب بأي مجال، قد يكون الكاتب على أزرار الآلة الكاتبة متوافقاً بالشكل لا الموضوع مع كاتب بحث علمي يُعدد نقاط التعادل بالميزانيات العامة، أو كاتب المقال أو حتى الكاتب الروائي، وربما حتى كاتب السجلات بأي مقر حكومي، بالنهاية الكل يحمل صفة كاتب، لكنها ولاشك تختلف من آن لآن آخر، موضوعيًا لا يمكن مقارنة كاتب الآلة الكاتبة أو ما يسمى بالطباع الذي يكتب كل شيء وأي شيء بدءًا من طباعة نموذج لإذن العمل وطلب تسديد فاتورة كهرباء مع من يكتب بحثًا علميًا رصينًا استخرجت معلوماته ومادته العلمية من أكثر من مرجع ومصدر، صحيح الكل يعد كاتبًا، إنما شتّان بين هذا وذاك، ولكل مقامٍ مقالٍ.
أتذكرُ إحدى المرات شعرت بخجل عندما قدمني أحدهم لأحدهم بأن أقدم لك الكاتب الصحفي فلان، الخجل لأنَّ الذي تم السلام عليه هو من يعتبره الكثيرون من النخبة؛ إذ يحمل مسمى أكاديميًا عاليًا وله رأي مُعلن بازدراء كتاب المقالات وأن كاتب المقال ليس بالكفاءة المطلوبة وكاد أن يستمر بالتقليل وتوقعت أن يصفه بـ"كُويتب" وليس فقط كاتب مقال (بالطبع رأيه كان عامًا ومُعلنا منذ سنوات وليس وليد اللحظة). في الحقيقة الخجل ليس لأني أكتب المقال فهذا أمر أعتز به، إنما أقصد المقارنة غير المتكافئة بين من يكتب مقالًا ليس تخصصيًا مع الكاتب الباحث العلمي المتخصص وهذه لعمري مقارنة ليست في محلها! (فيما بعد أبلغني أحد المتابعين للوضع الأكاديمي بأن ذات الأخ الذي يزدري كتاب المقالات تدور حوله شبهات بشأن حقيقة كتابته لأبحاثه العلمية المنشورة باسمه، أي أنه قد يكون أحد عملاء تجارة الأبحاث المنتشرة!)، حتى لا أحور الموضوع أكثر، لاشك أقصد بأن ليس كل مدعٍ له نصيب من إدعائه، والمثل الشعبي يقول: "الشين خرب على الزين"!
الغرور العلمي أو التباهي الكاذب هو ديدن ناقص الحجة ومسلوب الإرادة الذي لايملك إنجازا حقيقيًا عليه القيمة، سأتحدث عن خاصية لا أراها مناسبة؛ إذ كيف للأكاديمي أن يتفرغ للبحث العلمي وهو حائر بين محاضرات مستمرة متنوعة المواعيد، وتصحيح اختبارات، وهموم طلبة، ولجان خاصة بالعمل؟
أعتقد أنَّ كتابة مقال ليست بالإنجاز المتفرد؛ بل إني أستغرب وضع جوائز لصاحب أفضل مقال في عدة مناسبات ومهرجانات، قد يكون وراء ذلك دعم للكتاب هنا يمكن أن اقتنع، أما أفضل مقال وأسوأ مقال؛ فالأمر ليس سيان لأن لكل مقال مناسبته وظروفه التي كتب بها، فمن غير المنطق تحديد أفضل أو أسوأ لأن الأمر بحسب قضية المقال ذاتها.
في الكتابة التخصصية أذكر أني كتبت أكثر من بحث ولم يتم استكمال تلك الأبحاث؛ لأن مسألة أن تكتب بحثًا علميًا ليست بتلك السهولة أو اليسر، فالأمر يتطلب جهودا وتفرغا معقولا ومتابعة البحث عن مصادر ومراجع ومن ثم وضع المعلومات المطلوبة قيد البحث، وغير ذلك، وأعتقد أن كتابة بحث علمي ذي موضوعية مقبولة عن التاريخ أو العلوم السياسية قد يستغرق وقتًا ليس بأقل من ثلاثة أشهر، هذا عن تجربة شخصية، ولاشك لكل تجاربه المقدرة.
الأكيد أن فعل الكتابة أيًّا كان نوعه سواء مقال أم بحث أو تقرير هو حياة بالنسبة للكاتب، الكتابة هي كرشفة القهوة الصباحية فيها لذة ونكهة وينصح بها لخفض الضغط اليومي. والأكيد أن كتابة المقال إدمان فاخر، ومتعة لاغبار عليها لمن يسكب الكلمات على الصفحات، والأكيد أيضاً وأيضًا أني تذكرت بيتا معبرا للشاعر خالد الفيصل:
كل رجل في حياته ميول
والهواية تمتلك.. رجالها