عُمان وشرق أفريقيا.. صلات تاريخية وإمكانيات اقتصادية

صالح بن سليمان الحارثي **

الإعلامي المُتميز محمد المرجبي وهو السابر عن كثب لأغوار التاريخ العماني من خلال برنامجه الشهير "أثر التواجد العماني في شرق أفريقيا" الذي كان يتسمر عليه الكثيرون، كتبَ في تغريدةٍ له مُعبِّرا عن سعادته بمناقصة "ترميم بيت العجائب"، وهي فرحة يُشاركه فيها الواعي اليقظ لأهمية التاريخ في حياة الأمم والشعوب.

ورغم أن البعض القليل من التعليقات جاءت على عكس ما يشتهي، إلا أنني أعذرُ الجميع فيما ذهبوا إليه، ولكلٍ  حجته في ذلك، والاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية؛ فالتاريخ العماني له قوته وحجته ومكانته التي لا تُضاهى في شرق أفريقيا، وهو مثال حي على جهد من أسسوا بنيانه واشتغلوا عليه من الآباء والأجداد، ولقد وقفتُ على بعض من مشاهده بنفسي خلال عملي قنصلًا عامًا في زنجبار، ثم سفيرًا في كينيا ومنطقة البحيرات العظمى وبعض دول القرن الأفريقي، وأكادُ أجزمُ أن كل مكان وطأته أقدام الآباء- وهي أقدام خير وبركة- أُسس على خير ليعيش ويزدهر؛ فشرق أفريقيا جزءٌ أصيل من تاريخنا ومستقبلنا، والتاريخ كما يقول ابن خلدون "في ظاهره لا يزيد عن الإخبار، ولكن في باطنه نظر وتحقيق". وبالنظر والتحقيق في بعض جوانبه نجد أن لدينا العديد من أدوات القوة الناعمة التي إن أحسنا استخدامها الاستخدام الأمثل اخضّرت وأثمرت وإن إهملناها تصلبت وجفَّت.

وتتنوع عناصر القوة هذه من أدوات كثيرة من بينها ولعل أبرزها- وهذا غيضٌ من فيض- الجاليات من ذوي الأصول العمانية، وكثير منها مُثقفة وذات إمكانيات علمية ومادية متعددة الفوائد، وهم محبون لعُمان يأنسون بك كما يسعدون- رغم غناهم- ولو بكرتون من تمرٍ يأتيهم من عُمان في مناسبات الأعياد، لا لحاجة ولكنه تمرُ الوطن الأم ورائحة الأجداد.

فكم منزل في الأرض يألفه الفتى // وحنينه أبدًا لأول منزل

إِذا ذَكَروا أوطانهم ذكَّرتهمُ // عهودَ الصِّبا فيها فَحنُّوا لذالكا

وبجانب الصلات الاجتماعية لدينا هناك كذلك المواقع الأثرية العمانية التي يؤمها مئات الزوار الأجانب والمحليين يوميا، ولا نغفل كذلك أحد أهم هذه المفاتيح وهي اللغة السواحلية التي كان للعمانيين الباع الأكبر في نشأتها كإحدى مكونات القيم الثقافية والاجتماعية، التي تجمعنا بهذه الدول الصديقة والتي يجب أن تؤسس على نحوٍ يضمن المنفعة المتبادلة وخلاف ما جاء في الأغنية الشعبية المشهورة "مابا زنجبار" نقول:

عطيني بسرة خنيزي

"وودِّيني" زنجبار

ولد البحر عماني

يالله امشي ويّاه

لا إله إلاّ الله يا ممباسا

فلدار السلام وزنجبار وممباسا ولامو التحية والسلام من مسقط وصلالة وصور وصحار؛ حيث تجمع عُمان وشرق أفريقيا قواسم حضارية ثقافية واجتماعية مشتركة وبوابات اقتصادية مهمة في الخليج العربي وعلى المحيط الهندي تخدم الجانبين.

إنني لأثني على قرار الحكومة الرشيدة، بصيانة وتوثيق تاريخها في شرق أفريقيا؛ فللتاريخ مكنون حضاري ثقافي وفني وعلمي، تسعى الدول لصونه وحفظه داخل ترابها الوطني وخارجه، فهو مفتاح التطور وأحد روافد الاقتصاد والتجارة بين الأمم والشعوب.

** سفير سابق

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة