تكرار المشاريع

 

أحمد بن خلفان الزعابي

zaabi2006@hotmail.com

 

في ظل شح فرص العمل خلال هذه الفترة من الزمن وعلى مستوى العالم يسعى الشباب نحو إيجاد بدائل لتوفير مصادر دخل وأحد هذه الخيارات المتاحة هو قطاع المشاريع الصغيرة والمتوسطة.

وتوفر سلطنة عُمان من خلال مؤسساتها المتخصصة عدداً من البرامج التمويلية والاستشارية لدعم رواد الأعمال من خلال إطلاق العديد من البرامج وحزم المبادرات التمويلية والتدريبية والتسويقية لأجل الدفع بالمنشآت الناشئة لتُشارك في دعم الاقتصاد الوطني المحلي، وبحسب دراسة أعدها المعهد السويسري للنشر الرقمي تناولتها صحيفة أثير الإلكترونية في سبتمبر من العام الماضي 2022 فقد بلغ حجم مساهمة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في السلطنة نحو 20% من الناتج المحلي الإجمالي، وتشير الإحصاءات العالمية إلى أن هذه المؤسسات تساهم بما نسبته 80% من اقتصاد الدول.

وتعدّ ظاهرة تكرار المشاريع أحد التحديات التي تواجه استمرارية نشاطها في السوق، حيث يستسهل بعض من يود الدخول في التجارة أو الصناعة نسخ عددٍ من أفكار المشاريع الناجحة وتكرارها دون مراعاة الظروف التي توفرت لتلك المشاريع حتى وصلت لدرجة النجاح والتفوق وهذا بحد ذاته يعتبر توجها خاطئاً لكونه يقود إلى منافسة غير متوازنة وغير محمودة خاصة وأن أغلب هذه المشاريع هي في الأصل تجارية أو ضمن الصناعات الصغيرة والمتوسطة الأمر الذي يجعل المنافسة بينها تحتدم دون وجود فرص نحو التوجه للأسواق الخارجية، الأمر الذي يؤثر سلباً على هذه المشاريع وعلى الممولين مما يتسبب في ضياع وتبدد رؤوس الأموال المستثمرة وقد يودي بمستقبل أصحاب هذه المشاريع نحو الدخول في إجراءات إشهار الإفلاس والدخول في ضائقة مالية قد تنتهي بالخروج من السوق، ولدينا أمثلة عديدة كمقاهي الكرك والكافيهات ومحلات إعداد البرجر ومصانع إنتاج المياه الصالحة للشرب ومحلات العباءات النسائية وصالونات التجميل، بالإضافة إلى المدارس الخاصة.

وعلى أية حال، فإن هذه المشاريع التي اعتمدت التكرار والتقليد لم تكن في الأساس قائمة على قواعد نماذج الأعمال الفعلية حيث تفتقر لوجود التحسين والابتكار في فكرة المنتج النهائي لهذا المشروع كما تفتقر لوجود دراسات جدوى حقيقية وواقعية تم إعدادها بحرفية عالية من واقع السوق الذي سيُقام عليه المشروع، وهنا نحن لا نستطيع التعميم ولكن هذا هو الواقع، لأن بعض الشباب يأخذهم الحماس ويُقبلون على طلب التمويل بغرض إطلاق مشاريعهم دون مشاركة الخبراء في حيثيات وتفاصيل إعداد دراسات الجدوى الاقتصادية، الأمر الذي يحصلون معه على التمويل لكونهم اجتازوا الاشتراطات المؤهلة لتمويل مشاريعهم ولكن الكثيرين يفشلون بمجرد دخولهم السوق لأنَّ صاحب المشروع لم يُشارك في تفاصيل إعداد دراسة الجدوى لمشروعه وبالتالي فقد غفل هذا الشخص عن الكثير من المهام التي لا بدَّ له من معرفتها كتعلم كيفية قراءة احتياجات المستهلكين وإيجاد فجوة في السوق يُمكنه ملأها بابتكار منتج أو خدمة تسد حاجة المستهلكين، كما تتيح مشاركة صاحب المشروع تفاصيل إعداد دراسة الجدوى أيضًا التعرف على كيفية قياس رضا العملاء وتقبلهم لفكرة المنتج من خلال نماذج الاستبانات الإلكترونية التي سينشرها لدى عينات من النَّاس، إضافة إلى المشاركة في إعداد الدراسة المالية التي تتضمن في جوانب منها حساب النفقات والمصاريف التشغيلية ومصاريف التأسيس.

هنا لا بُد لصاحب المشروع أن يعي أن تخفيض النفقات التشغيلية على حساب الجودة قد يؤدي بمشروعه إلى الفشل لذلك لا بد له من مراعاة الجوانب التي تضمن لمشروعه الاستمرارية، كما سيتعلم رائد العمل طرق إعداد حسابات الأرباح والخسائر السنوية، والتي ستمكنه من مراقبة أداء مؤسسته فيما إذا كانت تسير وفق ما هو مخطط له نحو النمو أو نحو الانحدار الذي سيتمكن عنده من اتخاذ بعض القرارات الرامية إلى العمل على تغيير قواعد الإدراة للنهوض بالمؤسسة وإنقاذ ما يمكن إنقاذه حتى لا يفيق من الحلم الجميل إلى الحقيقة المرة التي قد تؤدي به إلى الخسارة في نهاية المطاف.

ومن الضرورة بمكان مشاركة رائد العمل الخبير الاستشاري في إعداد الدراسة التسويقية حتى يكون ملماً بأحوال السوق ورغبات العملاء وتفضيلاتهم وتوجهاتهم وذلك حتى يعمل على تقديم منتج أو خدمة فعليًا يحتاجها المجتمع، ومن الأفضل له تكليف شركات متخصصة تتولى مهمة التسويق بمختلف وسائله والتي بدورها ستقدم له تقريرًا مفصلاً وتقييماً للحملة التسويقية التي أطلقها، ولدينا الكثير من الشباب ممن يعملون لحسابهم الخاص (Free lancer) بالإمكان التعاقد معهم بأسعار في المتناول كما لا بد لرائد العمل من إدخال التكنولوجيا في كافة تفاصيل عمله.

لدي رسالة أوجهها إلى مؤسسات التعليم الأكاديمي بضرورة إيلاء الأهمية لإعداد الجانب الإبداعي وتنمية مهارات الابتكار لدى الطلبة حتى تتولد لدى الشباب أفكار خلاقة يمكنها أن تغذي السوق المحلي والخارجي بمنتجات وخدمات نوعية مبتكرة، ورسالة أخرى أوجهها لكل من يود الدخول إلى عالم ريادة الأعمال بضرورة عدم تقليد المشاريع إنما البحث عن أفكار مشاريع جديدة أو تحسين أفكار منتجات أو خدمات قائمة وإدخال تحسينات عليها لأجل تقديمها بشكل جديد لأنه من الضروري أن تخلق لمنتجك سوقا وعملاء.

وفي الختام.. إن التكرار والتقليد نابع من عدم وجود أفكار إبداعية لدى من يود الدخول في عالم ريادة الأعمال وما لم تكن هناك أفكار قائمة على التحسين والابتكار تضيف قيمة للمنتج أو الخدمة فسيكون الطريق ممهدًا نحو الفشل.