د. إسماعيل بن صالح الأغبري
عُمان ذات تاريخ موغل في القدم ولها موروث ثقافي مادي وغير مادي، تعاقبت عليها حضارات، وأنجبت أساطين علم ومعارف في مختلف المجالات والفنون وعلى مر الحُقَب والعصور، كان لهم أثر إيجابي في ميدان الحضارة الإسلامية وخدمة الحضارة الإنسانية.
وفي إطار السعي الحثيث والعمل الدؤوب من أجل تخليد أعمال أولئك الأساطين من أهل عُمان فإنَّ الحكومة ممثلة في وزارة التربية والتعليم دفعت بملفات متكاملة عن شخصيات عُمانية إلى منظمة التربية والثقافة والعلم المعروفة بـ"اليونسكو" وهذه الشخصيات ذات إنجازات عادت بالنفع العام لبني الإنسان.
إن إدراج منظمة اليونسكو لأي شخصية من الشخصيات ليس أمرا يسيرا، وسلطنة عُمان ليست وحدها التي تدفع بملفات عن العظماء في التاريخ، وهناك منافسات كبيرة، وتخضع هذه الملفات للتدقيق والتحقق مما ورد فيها قبل الإعلان عن موافقة المنظمة اعتبار تلك الشخصيات شخصيات ذات أثر إيجابي ومنجزات ذات شأن على الوسط المحلي والعالمي.
من شروط الدفع بملفات عن العظماء إلى منظمة اليونسكو ألا تكون تلك الشخصية على قيد الحياة، ذلك أن الذي على قيد الحياة لا زال في طور الإبداع والاكتشاف، ولم يزل في مرحلة الإنتاج والتأثير كما أنه يُحتمل أن يضيف أو يحذف ما سطره، فهو في حالة غير مستقرة على رأي، أما من قضى نحبه فلا سبيل لرجوعه عن ما سطره ولا وسيلة للتراجع عن ما أنجزه وابتكره.
ومن شروط تقديم الملف عن عظيم من العظماء أن يكون مر عليه عقود من الزمن، وليس مُحْدَثَا، وهذا شرط ضروري لأنَّ قريب العهد تراثه لا يُخشى من فقدانه أو اندثاره، وهو لصيق بالناس، أما من مضت عليه عقود فقد يتلف تراثه، وقد يُنسى فضله على وطنه وبني جلدته وبني الإنسان بصفة عامة فتقديم ملف عنه حفظ لمواريثه.
ومن شروط تقديم ملف عن شخصية من الشخصيات أن تكون هذه الشخصية تجاوز أثرها المحيط المحلي إلى المحيط خارج بلاده.
لا يشترط أن يكون صاحب الملف مختصًا في ميدان محدد، بل يُعتبر شخصية حرية بالاعتراف بفضلها والموافقة على تسجيلها في (اليونسكو) ما دامت قدمت لبني الإنسان إنجازا، وانتفع من علومها بنو جلدتها سواء أكان ذلك في اللغة أو الملاحة أو الفلك أو الهندسة أو الفقه أو الأدب والشعر، وقد يكون جامعاً للعلوم التجريبية والأدبية معا.
تمكنت وزارة التربية والتعليم مع وزارة الثقافة والرياضة والشباب من تسجيل شخصيات عُمانية في منظمة (اليونسكو) باعتبارها شخصيات مؤثرة داخليا وخارجيا.
الخليل بن أحمد الفراهيدي العُماني شخصية بارزة، النَّاس عيال عليه في علم العروض، فهو إليه ومنه، صار علم العروض ميزانا راجحا، يتحاكمون إليه في أوزان الشعر، وبه يحكمون على جودة الشعر، وصحة وصف قائله بأنه شاعر أو مجرد مدعٍ للشعر، إنه عُماني تم تسجيله والاعتراف بفضل منجزاته.
راشد بن عميرة الرستاقي العُماني طبيب لا يشق له غبار من أطباء القرن السادس عشر الميلادي، بلغ من علم التشريح وتمكن منه، وأفاد خلقا كثيرا رغم أن الطب لم تتوافر له السُبل التي تتوافر للطبيب اليوم، إنه عُماني مؤثر بمؤلفاته ومنجزاته فاستحق تسجيله والاعتراف بفضله.
أبو محمد عبد الله بن محمد المعروف بالذهبي، عُماني أبدع في الفيزياء والكمياء بالإضافة إلى الفقه، وله مؤلفات ومنها كتاب الماء، يصف الداء ويصف له الدواء بدقة متناهية رغم عدم وجود المختبرات والمعامل والمبتكرات التي تنتشر اليوم.
نور الدين السالمي شخصية عُمانية إلا أنها ذات أثر فاعل داخل عُمان وخارجها، إنه فقيه ومؤرخ وشاعر، أغنى المكتبة الإسلامية بمؤلفاته في مختلف العلوم ففي اللغة له بلوغ الأمل، وله في خطاب الطفل وكيفية التعامل معه نفسياً وأخلاقياً وآليات غرس العلم بالتدرج كتاب (تلقين الصبيان ما يلزم الإنسان) وسلك فيه مسلك علم النفس والاجتماع رغم أنه لم يدرسهما.
وله في أصول الفقه طلعة الشمس، وله في الفقه مدارج الكمال ومعارج الآمال وجوهر النظام في علمي الأديان والأحكام وجوابات السالمي والعقد الثمين، وله في العقيدة مشارق أنوار العقول، وغاية المراد، وله في التاريخ العُماني تحفة الأعيان بسيرة أهل عُمان، فهو من ضمن الشخصيات التي تم الاعتراف بفضلها وأثرها.
أبو مسلم البهلاني فقيه متمكن وله كتاب نثار الجوهر في علم الشرع الأزهر، وهو الشاعر الذي بزَّ غيره، وفاق أقرانه، وديوان أبي مسلم البهلاني شاهد على ذلك الإبداع والتمكن من ناصية الشعر، وهو العُماني المعتز بعُمانيته، المفاخر بها وإن نأت به الديار، وباعدت السنين والأمكنة بينه وبين عُمان.
إنه رائد الصحافة العُمانية في المهجر أو شرق أفريقيا، بلغت قصائده آسيا وأفريقيا، وطرق أغراض شعر مختلفة، وأجاد الوصف، وهو مع ذلك سياسي محنك، اتصل بشخصيات من مصر والجزائر وزنجبار بالإضافة إلى عُمان.
العُمانيون أسياد البحار، وهم أمة بحرية، ذهبوا من خلال البحر دعاة وتجارا، وكانوا همزات وصل بين الشرق والغرب وبين عُمان وجنوب شرق آسيا وأرخبيل الملايو والصين، ومنهم أسد البحار أحمد بن ماجد، له مؤلفات في علم البحار بز غيره في زمانه بها.
إن العاشر من فبراير من كل عام هو احتفاء سنوي بالشخصيات المسجلة في منظمة التربية والثقافة والعلم "اليونسكو"، ويوم للوفاء من عُمان بحق بنيها، وهو تخليد لذكراهم وتخليد لمنجزاتهم واعتراف بفضلهم، وهو ربط للاحق من أجيال عُمان بالغابرين منهم، فلا تنقطع صلة الخلف عن السلف، وهو شحذ لهمم الشبيبة العُمانية من أجل مزيد من الإبداع والاكتشاف، وهو تذكير للعُمانيين بأن عُمان ليست فقرا ولا قفرا من أهل الإبداع والابتكار.
وختامًا.. لعل وعسى كليات في الطب أو مستشفيات تسمى باسم الطبيب العُماني راشد بن عميرة، ولعل وعسى تسمى كليات في الفيزياء والكيمياء بالذهبي، ولعل وعسى وليت جامعات أو كليات أو شوارع أو دوارات تسمى بأسماء نور الدين السالمي والخليل بن أحمد الفراهيدي والملاح العُماني أحمد بن ماجد ليزدان جيد عُمان، وتزداد زهوًا وتألقًا.
إنَّ ندوات خلال الاحتفاء بهذه الشخصيات عند حلول العاشر من فبراير تحت مسمى من أعلامنا وسيلة من وسائل الاحتفاء بهم، وإقامة برامج إعلامية عنهم عند حلول العاشر من فبراير بعض الاحتفاء والتخليد لهم، وإن إصدار كتيبات عنهم قبيل حلول العاشر من فبراير كل عام سبيل من سبل تكريمهم.