سالم بن محمد العبري
حين تعرض رسالة العلامة إبراهيم بن سعيد العبري قاضي القضاة والمفتي الأول الرسمي لعُمان والمؤرخة من ثمانين عامًا ويتصادف نشرها الآن مع الزلزال المدمر الذي ضرب تركيا وسوريا منذ أيام وأودى بحياة عشرات الآلاف من القتلى بمثابة شهداء عند الله يرزقون، وعشرات الآلاف من المصابين الذين إن قدر لهم بقاء الحياة، فإن ذكرى تلك الصور من الحشر ستبقى تنغص عليهم الحياة وتبعث الآلام، وستتضاعف آلام ومعاناة من فقد عائلته أو جزءًا من أهله أو جيرانه أو أصحابه.
كما إن هذا الزلزال كان بمثابة هول عاينه وعاشه أولئك الرجال الأبطال الذين قاموا ويقومون بعملية الإنقاذ وهم يواجهون تلك الأخطار التي تحيط بهم لإنقاذ من نكبوا وأصيبوا وشاء القدر أن يكونوا هم في أتون وتحت غبار هذه الكارثة، فأولئك الأبطال الذين هرعوا أفرادا وجماعات ومنظمات ودول شقيقة للمسارعة للإنقاذ والمواساة والتطبيب وتقديم شربة ماء أو كسرة خبز أو ملبس يستر ويعوض ما فُقد واهترى في هذا الشتاء القارص الممطر بالثلج والطل... نقول لهم أنتم رجال الأمة وجنودها، أنتم كالفلسطيني والسوري واللبناني والعراقي المرابطين على جبهات القتال يذودون عن حياض الأوطان وحرمات الإنسان ومقدسات الأوطان والأديان.
نعم يجب تسجيل الشكر والامتنان لهذه الوثبة والفزعة والبطولة والإخاء لأولئك الأفراد والجماعات والدول التي نهضت بالواجب الملقي على ضميرها وإخوتها وجيرتها وعقيدتها، وتلك الدول التي تناست الخلاف والشقاق والبغضاء وحروب الغير، فتنادت مواقف ومشاعر واستعدادًا للإسناد والعطاء بما تملك من إمكانيات، فلهم الشكر والاحترام والامتنان، ونقول لهم إن عملكم هذا مدعاة للتقدير ومبررًا للشعوب والأفراد والدول أن تعتبره منبهًا من الله لتعودوا جميعًا إلى حبل الله المتين واتباع دينه القوي والذي يوصيكم بالوحدة والجماعة وعدم التفرق فالحديث النبوي يقول "مثل المسلم للمسلم في تواده وتراحمه كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى"، كما حذرنا ديننا من الفرقة واتباع المشركين والمنافقين وبالذات من اليهود- الذين لا يُقصد بهم من هم على الديانة الحقة- ولكن الذين يظاهرون الأعداء ويسرون العداء والكراهية ويفسدون بالأرض، وهم الآن يتمثلون في هذا الكيان المحتل. وإذا نقول ذلك لا نضمر العداء والكراهية للشعوب قربت مِنَّا أو بعدت، لكننا نطالبهم بأن يتفهموا مقاصدنا وحرماتنا وسيادتنا وأن تنبه أو تردع الإدارات التي تركب خيل الشيطان فتشن الحروب والإجراءات والتصرفات التي لا تقرها الشرائع الربانية والبشرية.
لهذا نرى أن ما سمي بقانون القيصر، وهو حمار الشيطان وليس عصا موسى وقانون الغاب، وليس مبتغى العدل ونصرة الشعوب، وكيف لهذا "الحمار" أن يكون لنصرة شعب ما وهو يمنع حليب الأطفال والدواء ومقومات الحياة والتقدم العلمي؟!
ثم كيف لفقير يعمل في غرب الدنيا وشرقها لينهض بأهله وشعبه يُمنع من تحويل أجر عرقه وكدّه لأهله وعائلته وبلده الذي نشأ فيه.
نقول إن هذه الكارثة وهذا الامتحان للُحمة الأمة وقربها من الله والعدل والإحسان والفهم الصحيح لدين الله ومقاصد العلماء والدعاة والمدارس القهية فرصة للمراجعة والفهم وتبين الحقائق والمواقف.
ونقول للإخوة أفرادا وجماعات ودولًا: لا تصروا على رأيكم وعنادكم ومكابرتكم وظنكم أنكم تحتكرون الحقيقة والفهم الصحيح، لا والله لا يجوز لكم ذلك، ولا يتأتى دينًا ولا معرفة وطبيعة الخلق ولا مع إرادة الخلق، فلا يجوز لكائن من كان أن يقول إنه العالم الأوحد بالدين ومقاصده وأنه الفرقة الناجية! ولا يجوز أيضًا لأي شخص أن يدعي أنه مصدر المعرفة الحقة أو أنه التقي النقي الطاهر الورع!!
نقول لأولئك وهؤلاء إن هذه ساعة الرجوع إلى الله الحق، فعودوا إلى رب السماوات والأرض، واحفظوا الكرامة والدين والحقوق، واستعيدوا وحدة الأمة وصونوا سيادتها وأوطانها وذراريها ومستضعفيها. ومن هنا أدعو لعقد "قمة الرحمة والمودة والإحسان" وكما قالوا سابقاً "لا صلح ولا اعتراف ولا تفاوض مع العدو"، الآن قولوا "لا شقاق ولا نزاع ولا حروب بين الأمة".
وفقكم الله وسدد خطاكم وأيدكم بنصره وتسديده والسلام على من اتبع الهدى وأطاع الملك الأعلى.