دُخلاء على الفنون الشعبية

أحمد بن موسى البلوشي

الإنسان بطبيعته يعشق الجمال ويبحث عنه، فالجمال موجود في الكثير من مكونات الحياة التي نعيشها، وذائقة البشر تختلف من فرد لآخر، وليس شرطا ما أراه أنا جميلًا أن يراه الآخرون كذلك؛ فالجمال له أشكال وألوان ونسب متعددة ومختلفة، فسقراط عندما سأل أحد تلاميذه عن الجمال، أجاب بأنَّ الجمال هو الشيء الجميل، وضرب مثالا على ذلك بالذهب، والحصان، فعلق سقراط على ذلك بقوله: أنا لم أسألك ما هو الشيء الجميل؟ بل سألتك عما هو الجمال؟ فيقول سقراط "الجمال هو طغيان غير دائم"، ويقول ديفيد هيوم "الجمال ليس صفةً للأشياء بذاتها، فهو يتواجد فقط في عقل من يتأملُه وكلُ عقلٍ يُدْرِكُ جمالًا مختلفًا".

وتعد الفنون الشعبية بأنواعها المختلفة نوعًا من أنواع الجمال التي يبحث عنها الإنسان، وتبعث السرور في نفسه، بحكم أنه توارثها عبر الأجيال، ويفتخر بوجودها في المجتمع لأنها تمثل ثقافته وحضارته، لذلك تجد الكثير من الدول تسعى جاهدة لإدراج الكثير من فنونها الشعبية في القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي. ولقد نجحت سلطنة عمان في إدراج العديد من الفنون الشعبية في القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي للإنسانية في منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم.

كتبت سارة عابدين عن الفنون الشعبية بأنها: "فن بصري وظيفي، يصنع باليد أو بآلات بسيطة، من قبل مجموعة صغيرة من الفنانين الشعبيين ويعبر عن طريقة الإنسان في صنع الحضارات عن طريق إنتاج أدوات أو لوحات أو مبان مفيدة، لكنها في الوقت نفسه جميلة ومعبرة عن ثقافة الصانع وبيئته"، لذلك تعكس الفنون الشعبية للعالم والآخرين الحياة الثقافة للمجتمع، وهي مجموعة متنوعة من الفنون الجماعية كفنون الأفراح، والأناشيد، والأغاني، والرقص وغيرها، والتي تتناقلها المجتمعات من جيل إلى جيل، وتعرف باسم التراث الثقافي غير المادي، فمن خلال هذا التراث غير المادي تستطيع أن تتعرف على ثقافة أي شعب من شعوب العالم، ولكن عندما يحدث تداخلات خارجية على الفن الشعبي فتحيد به عن مساره الحقيقي، ويظهر بصورة غير لائقة ولا يعبر عن ثقافتنا، فهذا الفن ليس شعبيًا وليس من التراث غير المادي.

فما نشاهده اليوم من انتشار لمقاطع مرئية على وسائل التواصل الاجتماعي لما يُقال إنه فن شعبي وما يحدث فيه من حركات وسلوكيات لا تمت للفنون التراثية العريقة بصلة، دليلٌ واضحٌ على هذه التصرفات الدخيلة، ويمكننا القول هنا إن الكثير من الانحرافات في هذه الفنون ليست ضمن ثقافاتنا ولا ترتبط بنا ولا نرتبط بها؛ بل هي دخلية على الفنون الشعبية، ربما البعض حاول مجتهدًا تطوير هذه الفنون، ولكن وللأسف طورها بصورة غير منطقية ولا تمت لأخلاقنا وأعرافنا بصلة.

عزيزي عاشق الفنون الشعبية المتنوعة، ليس عيبًا أن تُعجب بأي فن تراه أو تسمعه، ولكن العيب أن تساعد على نشر وترويج ما يوصف زورًا بأنه من الفنون الشعبية التي لا تربطنا بها نحن كشعب عماني أي صلة، وكان من الأجدر تجاهلها وعدم نشرها.

تعليق عبر الفيس بوك