عائشة السريحية
شكت إحدى النساء بحُرقة ما حدث لها، حين استبقت دموعها الخمسينية بحّة صوتها؛ إذ لم ترتكب خطيئة أو جرمًا، لكن الزوج المُحترم أقسم بالطلاق على ابنه إنْ قاد سيارته فأمه طالق وحرام عليه!! لم يستوعب المُراهق ما قاله والده فقاد السيارة، ووقع الطلاق!
بعدها عادت الأمور لمجراها، ورجع الزوجان لبعضهما، ولكن بعد فترة علق طلاقها بشماعة أخرى "أنت طالق إن دخلت فلانة علينا" مُعللًا أن ذلك سيقيهم المشاكل، وصادف أن دخلت فلانة دون قصد ووقع الطلاق، وعادت لعصمته مرة أخرى، فلا وظيفة تؤمن عيشها، ولا أحد من أبنائها يتكفل بها، ولا أب تستند عليه، ولا أخ قادرًا على أن يتحمل تكاليف معيشتها.
ليس ما أتحدث عنه هو خطأ هذه المرأة أو ذلك الرجل، إن ما أتحدث عنه هو مشكلة اجتماعية واحتياج الناس لفقه الواقع، وتجديد يتوافق مع مصالح البنية الأسرية والنظر للمتغيرات والضغوط العصرية والنفسية؛ فأهمية الحفاظ على الأسرة أكثر مصلحة وأنفع من التقيد بوقوع لفظ الطلاق- إن كان في الشرع فسحة- وهذا الأمر لا نُفتي فيه، وإنما هو بث الهَمّ لأهل الفتوى والاختصاص، ونحتاج لحلٍ يتوافق مع الشريعة ويحمي من مفاسد ما يحدث، نتيجة الضغوط الاجتماعية والنفسية والعصبية والغضب الذي يؤدي بصاحبه لقول ما يندم عليه بعد سويعات، حين تحل لحظة الإدراك.
لربما لست مخولة أن أتحدث بأمر له ضوابطه، لكن حين قرأت عما حدث في عهد الخليفة عمر بن الخطاب حين حلت المجاعة في عام الرمادة وسرق الناس، قيّد الفاروق حد السرقة ولم تقطع يد آنذاك. وحين نرى أن السارق والسارقة بحسب واقعنا الحديث لم تعد تقطع أياديهم، وغيرها من الأمور التي فرضها علينا الواقع، لما فيه مصلحة المسلمين وعامتهم، (أنا هنا لستُ بصدد الحديث عن تعطيل حدود الله أو الخوض فيها حاشا لله)، فالأمر مختلف تمامًا، فالطلاق ليس حدًا، وإنما وسيلة لحل مشكلة، وحياتنا المعاصرة باتت تحمِّل المرء أكثر مما يحتمل، وقد يقول كلمة واحدة بفمه، في لحظة لا يكون مستوعبًا فيها الضرر، ثم يندم، ولو كان الضرر يقع على طرف واحد لا بأس بذلك، لكن ضرر نطق كلمة تحت ظرف ما، من شأنه أن يشتت شمل أسرة بكاملها، وفد ينتج عن هذا الطلاق اللفظي، دمار أبناء وضياع أسرة، وقد لا يكون مقصودًا!
لعل الفكرة في الحل الاجتماعي، هو أن يصبح الطلاق قرارًا، لا ردة فعل أو شرطًا معلقًا، فالله سبحانه وتعالى قال: "الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان".
وعند اتخاذ أي قرار يجب أن يتم التفكير فيه جيدًا، وأخذ المشورة، والاستعانة بمستشار أسري، ومحاولة الإصلاح، وبعد ذلك عندما يظل الطلاق هو الحل الأخير، يكون عبر لجوء المتضرر من بقاء الزوجية إلى المحكمة مثلا أو الجهة المختصة والمخولة قانونا ثم تتم إجراءات الطلاق، بعد أن تستنفذ كل الحلول لإنقاذ الأسرة.
وللتعرف على حجم المشكلة، أشير إلى ما ذكرته إحصائية للمركز الوطني للإحصاء والمعلومات، تقول إن نسبة الطلاق ارتفعت بمعدل 12% في العام 2022 مقارنة بالعام 2021، وهو ما يعني أن ارتفاع معدلات حالات الطلاق، يمثل أمرًا مقلقًا. وتشير الإحصائية كذلك إلى أن العمانيين المطلقين في محافظتي ظفار والوسطى الأعلى من إجمالي السكان العمانيين بنسبة 5%.
قد لا يكون سبب ارتفاع حالات الانفصال أساسها الطلاق اللفظي، لكنه يعد من الأسباب الظاهرة والمنتشرة والتي تحتاج للتعمق في حلها.
من ناحية أخرى نجد أن الندوات والورش للتوعية والإرشاد الأسري للمقبلين على الزواج غير كافية؛ إذ إن الإنسان في ساعات الغضب، أو الاكتئاب، أو حتى الضغط النفسي، يفقد القدرة على اتخاذ القرار السليم، خصوصًا وأن الطلاق مجرد كلمة يقولها الزوج في لحظة لا يمكنه التراجع عنها، بينما لو أصبح الطلاق قرارًا وإجراءً قانونيًا، ستتراجع نسبة الذاهبين من الأزواج للطلاق أقل بكثير؛ حيث إن عامل الوقت يجعل الإنسان مترددًا في اتخاذ الكثير من القرارات.
وقبل أن نبدأ بحصر مسببات الطلاق، لنلقِ نظرة على قانون الأحوال الشخصية في سلطنة عمان، حيث تنص المادة 85 منه على: "يقع الطلاق المعلق على فعل شيء أو تركه". ونصت المادة 86 (أ) على: "أن الطلاق لا يقع بالحنث بيمين الطلاق أو الحرام"؛ أي أن الطلاق يثبت في حال اشتراط وقوع شيء علق به، سواء بفعله أو بعدم فعله.
إنَّ الزواج والتماسك الأسري، والحفاظ على قيد الزوجية، ليس رواية حب رومانسية يعيشها طرفان، وليس تضحية طرف لحساب طرف آخر، ولا إسعاد طرف على حساب الطرف الآخر.. إنها وثيقة شراكة وبناء، وتعاون وتفهُّم، ومعرفة بعيوب الآخر قبل ميزاته، اتفاق يخرج منه الطرفان رابحين، وعندما يأتي الأطفال فإنهم يصبحون طرفًا ثالثًا، وحينها على الجميع التفكير بكيفية إعادة النظر.