اقرأوا.. لتعيشوا وتسعدوا

سالم البادي (أبو معن)

قال الله تعالى: "اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ" سورة العلق.

لماذا أمة اقرأ لا تقرأ  أليست "اقرأ" أول ما نزل من القرآن؟ لماذا لا نقرأ ونتصفح الكتب والمقالات والصحف والمجلات وغيرها عوضا عن تصفحنا لوسائل وتطبيقات العالم الافتراضي الفيسبوك وتويتر والانستجرام؟

البناء الحضاري لابُد أن يسبقه العلم والمعرفة وهذا لا يتأتى إلا  بالقراءة، لذلك فإن أول مانزل من الكتاب الحكيم هو الأمر بالقراءة في سورة العلق حين قال تعالى: "اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ"، والغريب والعجيب أن ثاني ما نزل هي سورة "ن * والقلم وما يسطرون" فلم يكتف الوحي الرباني بالقراءة فقط؛ بل أشاد بالقلم الذي يعتبر أداة للكتابة، فلا كتابة بلا قراءة ولا قراءة بدون قلم.

نلاحظ في زماننا عزوف كبير لدى الناس عن القراءة، وألهت وسائل التواصل الاجتماعي الناس، ونسيت أمتنا العربية والإسلامية أهمية القراءة والكتابة وأهمية دور المكتبات، ونسيت أن هذا هو مفتاح نحو محاربة الجهل والظلام ونشر الفكر والثقافة، وتغذية العقل والروح.

يقول ماركوس توليوس شيشرون: "البيت دون كتب كالجسد بلا روح". ويقول العقاد: "القراءة وحدها هي التي تُعطي الإنسان الواحد أكثر من حياة واحدة". ويقول توماس كارليل: "أكبر الجامعات على الإطلاق هي عبارة عن مجموعة من الكتب".

واقع أمتنا العربية والإسلامية أصبح اليوم واقعا مؤلما نظرا لاتساع رقعة تفشي الأمية في قطاع كبير من شعوبنا العربية والإسلامية، مع أن ديننا الإسلامي الحنيف هو دين العلم والمعرفة والثقافة والفكر والإبداع والاختراع والابتكار.

لقد سادت أمتنا في زمن الصحابة وفي زمن السلف الصالح، ولكن عندما ابتعدت الأمة عن مشكاة النبوءة أدى ذلك إلى تخلفها وتخاذلها وتقاعسها وعدم قدرتها على النهوض من سباتها العميق، فنتج عن ذلك ضعفها وتأخرها، ومكن أعداءها عليها حتى بلغ الخذلان والتخلف مبلغه، فأوقعها في الشقاق والنفاق وسوء الأخلاق حتى صرنا أمة تابعة لا متبوعة، أمة تقتات من الآخرين، وتطلب النجدة والحماية وأصبحت غير قادرة على حماية شعوبها وغير قادرة على بناء أوطانها وحماية مصالحها، مما جعل الثقافة والعلم والمعرفة من أسوأ ما يكون لانتشار الأمية واضمحلال المؤسسات التربوية والتعليمية، وجعل المخرجات غير قادرة على مجاراة التحديات العالمية والمتغيرات المتواصلة وخاصة في عصر الثورة الصناعية الرابعة.

لا شك أن القراءة هي عنوان التقدم والتحضر والتطور للأمم، ويحزننا ويحبطنا كثيرا لما تأتي منظمة "اليونسكو" بتقاريرها المحبطة عن معدلات القراءة في الوطن العربي بمستويات متدنية فضلاً عن تدني معدلات الإصدارات الأدبية والثقافية والتعليمية وغيرها.

وقد أشارت بعض الدراسات إلى أن القّراء أقل إجهادًا واكتئابًا، والقراء يتمتعون بقدر أكبر من احترام الذات والقدرة على التعامل مع التحديات، كما إنها تحمي من "التدهور العقلي" بنسبة 32%، وتقلل احتمال حدوث مرض الزهايمر. وتشير الأبحاث إلى أن الذين خصصوا 30 دقيقة من يومهم للقراءة زاد متوسط أعمارهم بـ23 شهرًا عن الأشخاص الذين لم يقرؤوا، كما أن القراءة تجلب السعادة وتخفض التوتر.

لماذا يجب أن نقرأ؟! يجب علينا أن نقرأ لأن القراءة عبادة أمرنا الله بها.. يجب علينا أن نقرأ لأن القراءة تجعلنا نعرف تاريخ البشرية وتاريخنا حتى لا نقع في الأخطاء التي وقع فيها من سبقونا.. يجب علينا أن نقرأ لتعويض النقص العلمي والمعرفي الذي جناه علينا التعليم الفاشل في عالمنا العربي.. يجب علينا أن نقرأ لنغذي عقولنا، ونطور شخصيتنا بالوعي والتجارب لنغير من طريقة تفكيرنا.. يجب علينا أن نقرأ، لنغير سلوكنا ونتحكم في حياتنا بشكل ذكي ونكون فاعلين في مجتمعنا.. يجب علينا أن نقرأ لنعرف حقوقنا المشروعة وواجباتنا الوطنية.. يجب علينا أن نقرأ من المهد إلى اللحد، لأنَّ المسلم لا يليق به أن يكون متخلفا وجاهلا أميا.

إن القراءة حرية وتحرر من سطوة أفكار الآخرين، وتمنح الاستقلالية وتنهي الوصاية والتبعية، والقراءة كالبحر فيه صَيد وفير لكل ثمين ونفيسٍ مِن الكتب والمؤلفات، والصياد الماهر يعرف كيف يصطاد. والقراءة اتصال وتواصل مع الآخرين،  مع العلماء والمفكرين والأدباء والفلاسفة والمُصلحين على الرغم من اختلاف اللغة والعرق والبلد والدين. والقراءة مفتاح للتسامح والانفتاح على الآخرين وتقبل الآخر. والقراءة وطن لمن لا وطن له، وطن رحب شاسع الأرجاء، لا ضرر فيه ولا ضرار. والقراءة ثراء بالمعرفة والفكر واللغة والخلق والأدب والذوق والمشاعر والجمال. والقراءة مشروع كتابة، فالكتابة هي نتيجة للقِراءةِ الواعية.

القراءة وعي وإدراك بما حولك ووَعي بالعلاقات بين الأشياء والأحداث، والقراءةُ الواعية تمنحك القدرة على التحليل، ورؤية ثاقبة للمستقبل. والقراءة متعة وسَعادة، تغرق في بِحارِ الكُتب وتَغوص لتقتني ما هو صالح ومفيد.

اقرأوا.. فإنَّ قرّاء اليوم كتاب الغد.

اقرأوا اقرأوا لتعيشوا.. اقرأوا لترتقِوا. اقرأوا لتسموا.. اقرأوا لتنتصروا.. اقرأوا لأنّ في القراءة لذة ومتعة، عزة وشموخ، اقرأوا واحمدوا الله تعالى على أنكم من أمة اقرأ.