فوزي عمار
الاقتصاد ليس أرقامًا فقط؛ بل يتداخل مع الجانب الإنساني والاجتماعي لأن له علاقة مباشرة في توفير الحاجات الأساسية مثل السكن والمركوب والدواء والغذاء كما أنه يشتري السلم الاجتماعي للمجتمع والدولة.
سابقا كانت هنالك ثلات مدارس كبيرة في الاقتصاد: الاشتراكية، والرأسمالية، والاقتصاد المختلط.
أنسنة الاقتصاد مفهوم جديد بدأ يظهر ويهتم به معظم المهمومين بالعدالة الاجتماعية والتي تهتم بالبعد الإنساني والاجتماعي بين طبقات المجتمع والتي أشرت في مقال سابق إلى أنه حصلت لها إعادة تموضع جديد في عصر المعلوماتية وانتشار المعرفة على نطاق واسع والتداخل الطبقي الذي أصبح معه التقسيم الأفقي (عمال / برجواز/ نبلاء) غير ممكن اليوم.
كما أن الدخول في حقبة يمكن أن نسميها "عصر المخاطر" بعد جائحة كورونا وحرب روسيا/ أوكرانيا جعل كثيرا من دول المعسكر الرأسمالي تتجه إلى دعم اقتصادها رغم الخلاف المنهجي للاقتصاد الرأسمالي الذي يقوم على الاقتصاد الحر الذي لا تتدخل فيه الحكومة.
ظهور المفهوم الجديد في الاقتصاد الذي بدأ في 2015، وهو الاقتصاد الدائري الصديق للبيئة، ويتم تدوير المخلفات فيه فلا نفقد الموارد بل يتم إعادة تدويرها بالكامل عن طريق تصميم دائري مسبق يسمى "Cradle to cradle design"؛ وهو مفهوم ما بعد إعادة التدوير Recyling؛ لأنه يقوم على التصميم المسبق إلى التحول من منتج إلى آخر.. مثلا قد تبدأ بالملابس إلى الأثات إلى الورق، وهكذا حسب نوع كل مادة وإمكانية تحويلها مستقبلا فلا تفقد المادة قيمتها بل تنبعث من جديد في شكل منتج جديد.
مفهوم جديد خرج من دول الشمال صاحبة فكرة الاقتصاد المختلط الناجح، اقتصاد أكثر أنسنة والذي لا يسعى للهيمنة ولا للتغول مثل اقتصاد السوق الحر والليبرالية المتوحشة التي لا تعترف إلا بالربح ولا تهتم بالاجتماعيات؛ بل بالربح فقط، وهو اقتصاد لا تهيمن عليه الدولة ولا تمنع الفرد من حقه في ممارسة العمل والإبداع فيه.
الاقتصاد المختلط يقوم على ملكية الدولة للموارد وشراء الخدمة من القطاع الخاص، كما إن ظهور الاقتصاد التشاركي قاد إلى تغير كبير في اتجاه الاقتصاد الإنساني. أيضا الاقتصاد الاجتماعي التضامني الذي ظهر في فرنسا قاد إلى إدماج الاجتماع والثقافة مع الاقتصاد، كما اقتصاد السوق الاجتماعي الذي ظهر في ألمانيا.
ما زال الطريق طويلًا أمام الاقتصاد الإنساني ليتبلور كمفهوم كوني، لكنه أصبح ضرورة في ظل ما يشوب العالم اليوم من حالات عنف أحد أسبابها الغبن وعدم عدالة التوزيع محليا بين طبقات المجتمع الجديدة وعالميا بين دول الشمال الغني ودول الجنوب الفقيرة، خاصة بعد تحول العالم من العولمة إلى المناطقية (Globalisation to Regionalisation) وهذا موضوع آخر في مقال آخر.
لكن دائمًا يظل الأمل هو المحرك للتاريخ.