لتفادي "الانهيار" أو عرقلة جهود النمو

إدارة المخاطر المؤسسية.. مسؤوليات حساسة تتطلب وضع الاستراتيجيات وسرعة الأداء

◄ خبراء لـ"الرؤية": فارق كبير بين مخاطر الأعمال والمخاطر المالية

◄ المنجية: إدارة المخاطر تهدف لتحسين استخدام الموارد المؤسسية

بن فدا: كل مؤسسة تنفذ استراتيجية إدارة المخاطر التي تتواءم مع توجهها

◄ الحامدي: إدارة المخاطر تساهم في تفادي الخسائر والحد من الإخفاقات

الرؤية- سارة العبرية

باتتْ إدارة المخاطر المؤسسية من الاستراتيجيات ذات الأهمية في كل المؤسسات، لأنها تساهم في تحسين عملية اتخاذ القرار فيما يتعلق بالحوكمة ووضع الاستراتيجيات والأهداف والعمليات اليومية، كما أنه من المهم توعية جميع العاملين في المؤسسة بهذه الاستراتيجية قبل تطبيقها.

وتواجه الكثير من المؤسسات مخاطر متنوعة قد تنشأ في جزء واحد من هذه المؤسسة لكن الأثر يمتد إلى كل الأجزاء، ولذلك يأتي دور إدارة المخاطر المؤسسية لتحديد وإدارة تلك المخاطر على المستوى الكيان بأكمله.

ويقول جيمس لام عضو المجلس الاستشاري لـ"COSO Framework" وصاحب كتاب إدارة المخاطر المؤسسية، إن البديل الوحيد لإدارة المخاطر هو إدارة الأزمات، وهي أكثر تكلفة وإحراجا واستهلاكا للوقت.

ويؤدي الاهتمام بتكامل ممارسات إدارة المخاطر إلى رسم مسار واضح للمؤسسة يمكّنها من خلق القيمة والحفاظ عليها وتحقيقها، كما أن إدارة المخاطر المؤسسية ليست عملية ثابتة فهي تطبق باستمرار على كامل نطاق الأعمال وعلى المشروعات الخاصة وعلى المبادارت الجديدة وكذلك على أي جزء من القرارات الإدارية في جميع مستويات المؤسسة، وتُطبق الممارسات المستخدمة في إدارة المخاطر بداية من المستويات العليا في المؤسسة مرورا بالمستويات الأدنى عبر الأقسام، ووصولا إلى وحدات العمل والوظائف، حيث تهدف تلك الممارسات إلى مساعدة جميع العاملين في المؤسسة على فهم الاستراتيجية بصورة أفضل وفهم أهداف العمل المرتبطة به.

مخاطر الأعمال والمخاطر المالية

ويعتقد الكثيرون أن مخاطر العمل هي نفسها المخاطر المالية، غير أن ثمة اختلافات عدة بينهما؛ فمخاطر العمل مرتبطة بعدم القدرة على كسب ما يكفي لسداد نفقات الشركة، أما المخاطر المالية فهي عدم القدرة على سداد الديون التي تتحملها الشركة لخلق رفع مالي، علاوة على أنه لا يمكن لمخاطر العمل أن تكون معدومة لأنه ما دامت الأعمال مستمرة فستتواجد المخاطر، بينما يمكن تخفيف المخاطر المالية إلى الحد الأدنى إذا كان من الممكن تخفيض الديون وزيادة حقوق الملكية في هيكل رأس المال.

وتتضمن مخاطر الأعمال عدة أمور ومنها مخاطر السمعة والمخاطر التشغيلية والاستراتيجية، أما المخاطر المالية فتشمل مخاطر الائتمان والسيولة ومخاطر الأسهم، ويمكن أن يقيس التباين مخاطر الأعمال في العائد قبل احتساب الفوائد والضرائب، ويمكن لمُضاعفة نسب الرفع المالي قياس المخاطر المالية.

هدف إدارة المخاطر

وتقول الدكتورة سعاد بنت سعود المنجية أخصائية دراسات ومتابعة أول مسير لأعمال رئيس قسم إدارة المخاطر بوزارة التربية والتعليم، إنَّ الهدف من إدارة المخاطر هو زيادة القدرة على تحديد واغتنام الفرص من خلال تسهيل المزيد من الشفافية والانفتاح فيما يتعلق بالمخاطر، وتعزيز عملية صُنع القرار المؤسسي من خلال تزويد الإدارة العليا بمعلومات دقيقة وفي الوقت المناسب، للعمل على تحسين فهمهم للمخاطر والفرص على مستوى المؤسسة، وكذلك مساعدة الإدارة في تحسين استخدام الموارد المؤسسية من خلال مواءمة تخصيص الموارد مع المجالات ذات المخاطر الأعلى والأثر الأكبر على استراتيجية المؤسسة.

د. سعاد المنجية.jpeg
 

وتوضح المنجية أن مسؤولية إدارة المخاطر تقع على جميع الموظفين في المؤسسة، لأن هذا المفهوم يعد جزءا من من حياة الموظف وعمله الذي يساعده على حماية نفسه والبيئة المحيطة به، ووسيلة لحماية الأصول المادية والمعنوية وتحسين الأداء الوظيفي.

ويرى محمد بن فدا حسين مدير عام إدارة المخاطر في بنك نزوى، أن التركيز الأساسي لإدارة المخاطر يكون من خلال التعرف على معالجة هذه المخاطر وإضافة أقصى قيمة مضافة مستدامة لكل أنشطة المؤسسة، مضيفا أن إدارة المخاطر تساعد على فهم الجوانب الإيجابية والسلبية المحتملة لكل العوامل التي قد تؤثر على المؤسسة حتى تزيد من احتمال النجاح وتخفض كلا من احتمال الفشل وعدم التأكد من تحقيق الأهداف العامة للمؤسسة.

ويشير إلى أن أهمية مفهوم إدارة المخاطر ازدادت في السنوات الأخيرة كاستراتيجية لدعم المؤسسات المالية؛ حيث إن الصناعة المصرفية تعد أكثر الصناعات تعرضا للمخاطر، حيث تعاظمت هذه المخاطر وتغيرت طبيعتها في ظل تطورات التحرر المالي ومستحدثات العمل المصرفي وتنامي استخدام أدوات مالية جديدة يساعد على انتشارها التقدم التكنولوجي الهائل في الصناعة المصرفية، ولذلك اكتسب موضوع إدارة المخاطر ومراجعتها أهمية متزايدة لدى البنوك.

محمد فدا.jpg
 

المبادئ لنُظم إدارة المخاطر

ويتابع محمد بن فدا أن هناك العديد من المكونات والأطر والمبادئ لإدارة مخاطر المؤسسات؛ حيث يضع كل منها نهجا لتحديد وتحليل ومتابعة مخاطر البيئة الداخلية والخارجية التي تواجه المؤسسة، حيث تختار المؤسسة المنهج الذي يتواءم مع توجهها، مبينا أن المخاطر الرئيسية المرتبطة بأعمال البنك تشمل: مخاطر الائتمان وهي ناشئة عن احتمال عدم قدرة أو رغبة العميل أو الطرف المقابل بالوفاء بالتزاماته عند استحقاقها، ومخاطر السيولة وتعني عدم قدرة البنك على تلبية التزاماته عند استحقاقها وتنشأ عندما يكون البنك غير قادر على توفير النقد لمواجهة الانخفاض في الودائع، وأيضا مخاطر السوق وهي الخسارة الناجمة عن التحركات العكسية في عوامل السوق كمعدلات العوائد وأسعار الصرف والسلع والأسهم، وكذلك مخاطر التشغيل وهي الخسارة المالية التي تنشأ من العمليات اليومية للبنك ومنها الأخطاء البشرية والتقنية والأنظمة أوعوامل خارجية.

وتذكر الدكتورة سعاد بنت سعود المنجية أن المبادئ الأساسية لإدارة المخاطر المؤسسية تكمن في تحديد المخاطر وتقييمها ووضع خطط وإجراءات للاستجابة للخطر وتنفيذ خطط التخفيف عن طريق الإبلاغ عن الخطر للمختصين، ثم مراقبة مؤشرات الأداء وربطها بمؤشرات المخاطر.

ويعتبر يحيى بن حمد الحامدي مشرف أجهزة الأمن والسلامة والصحة والبيئة "HSSE Supervisor" بـ"وكالة الخليج عُمان"، أن المكونات الأساسية لنظم تقييم المخاطر تتمثل في عملية التحضير والتي تتضمن التخطيط للعملية ورسم خريطة نطاق العمل، وكذلك تحديد المخاطر للتعرف على المخاطر في موقع العمل من خلال تفصيل وتصنيف جميع المخاطر المحتملة، ومرحلة التقييم وذلك بعد التعرف على المخاطر المحتملة.

يحيى الحامدي.jpg
 

استراتيجيات إدارة المخاطر

وتذكر المنجية أن من أبرز الاستراتيجيات المُتَّبَعَة، ذلك النهج القائم على تركيز الوقت والموارد على المجالات عالية المخاطر مثل الأمن السيبراني، والمخاطر المالية، مُبينةً أن الاهتمام بتحسين وتطوير المجالات عالية المخاطر وذات الأهمية العالية في المؤسسة، من شأنه تحسين مستوى الأداء وتطويره، والحد من المخاطر التي تهدد بإعاقة استمرارية العمل في المؤسسة.

فيما يرى بن فدا أن طبيعة أنشطة وأعمال البنوك تتعرض لمجموعة متنوعة من المخاطر المالية، وتهدف إدارة المخاطر إلى تحقيق التوازن الملائم بين المخاطر والعوائد والحد من الآثار السلبية المحتملة على الأداء المالي، وهذا يتطلب أن يتوفر لدى البنوك الإسلامية إدارة مخاطر مؤسسية قوية وسليمة بحيث تكون قادرة على تحديد وقياس ومراقبة وضبط هذه المخاطر، مشيرا إلى أن بنك نزوى يقوم بإدارة المخاطر وفق سياسيات معتمدة من مجلس الإدارة، وهذه السياسيات توضح النهج الأساسي لإدارة المخاطر وأدوار ومسؤوليات الجهات الفاعلة في عملية إدارة المخاطر. وأضاف أن تحديد الأساليب والتقنيات لإدارة المخاطر في البنك يشمل الإطار العام للمخاطر بشكل أساسي والإشراف العام من قبل مجلس الإدارة والإدارة التنفيذية والنهج العام لسياسية البنك لإنشاء الحدود القصوى للمخاطر والإجراءات الداخلية والسقوف المسموح بها، وتحديد وقياس ومراقبة وتخفيف المخاطر بالإضافة إلى الإبلاغ عنها، وأيضا نظام إدارة معلومات المخاطر على مستوى البنك.

ويؤكد بن فدا أهمية دمج إدارة المخاطر مع ثقافة المؤسسة، عبر سياسة فعّالة وبرنامج يتم إدارته من خلال دائرة متخصصة في إدارة المخاطر، وأن تتم عملية تعريف المخاطر بأسلوب منهجي لضمان تعريف جميع الأنشطة المهمة للمؤسسة، وكذلك تعريف جميع الأخطار الناجمة عن تلك الأنشطة، وتحديد التغيرات المصاحبة لتلك الأنشطة وتصنيفها حسب أهميتها .

تقليل حدة المخاطر

ويعتبر محمد بن فدا أن إدارة المخاطر جزء أساسي في الإدارة الاستراتيجية لأي مؤسسة، لمواجهة الأخطار المصاحبة لأنشطتها بهدف تحقيق المزايا المستدامة من كل نشاط ومن محفظة كل الأنشطة، لافتا إلى أن أنشطة إدارة المخاطر يجب أن تكون مستمرة ودائمة التطور وترتبط باستراتيجية المؤسسة، كما يجب أن تتعامل بطريقة منهجية مع جميع الأخطار التي تحيط بأنشطة المؤسسة في الماضي والحاضر وفي المستقبل على وجه الخصوص.

ويرى كذلك أن أي مؤسسة مُعرضة لاتخاذ قرارات غير صائبة قد تؤدي إلى نتائج غير محمودة، وأن تجنب المخاطر يتمثل في تبني السبل التي بموجبها يمكن إدارة المخاطر، ومنها عدم الدخول والمشاركة في أي أنشطة أو مجالات تحمل خطرًا، مما يقلل من التكاليف المترتبة على مواجهة المخاطر، موضحًا أن تحويل المخاطر يعني تحويلها إلى طرف ثالث، وأن تقليل المخاطر يعني السعي نحو تقليل قدر الإمكان من الآثار المترتبة على المخاطر.

فيما تُشدد المنجية على وضع ضوابط عامة للحد من المخاطر من خلال حوكمة المخاطر، وتحديد مستويات تقبّل الخطر في المؤسسة والمسؤول عن الخطر، وإجراء تقييم مخاطر شامل ومجدول بانتظام، وتطوير برامج التدقيق الداخلي القائم على المخاطر بشكل دائم داخل المؤسسة.

أما الحامدي فيقول: "يمكن توظيف إدارة المخاطر لتفادي الخسائر قدر الإمكان، من خلال التخطيط المستمر للعمل لمعالجة نتائج ما يتبقى من مخاطر، ومن خلال توعية العمال وتعريفهم بسياسة إدارة المخاطر، واتخاذ كافة الإجراءات لمعرفة المخاطر والسيطرة عليها".

تعليق عبر الفيس بوك