اجتماع دافوس وتقرير أوكسفام

 

 

علي الرئيسي **

 

تزامنًا مع اجتماع النخب المالية والاقتصادية والسياسية العالمية في دافوس بسويسرا؛ حيث عُقد الاجتماع السنوي للمُنتدى الاقتصادي العالمي، أصدرت منظمة أوكسفام "Oxfam" تقريرها السنوي، الذي أفاد بأنَّ ملايين من البشر قد أُجبروا على السقوط في الفقر، بينما ازدادت ثروات فاحشي الثراء، وأنه للمرة الأولى منذ 25 سنة نرى زيادة في ثروة الأثرياء وفي الوقت ذاته زيادة واضحة وفارقة لمعدلات الفقر!

الناس في معظم أنحاء العالم يناضلون من أجل دفع فاتورة غلاء الأغذية، والغاز، والاحتياجات الضرورية الأخرى، وفي السنتين الأخيرتين حصل أغنى 1 بالمائة من سكان العالم على ما يقارب من ضعف ثروة العالم مجتمعة! كيف يكون ذلك ممكنًا؟!

يُشير التقرير إلى أن الأكثر ثراءً في العالم يكسبون 6 أضعاف ما يحصل عليه 90% من البشر مجتمعين، وذلك يقدر بـ2.7 مليار دولار يوميًا. ويُوضح التقرير أن الفوارق الكبيرة في الثروة تقوِّض من جهود مكافحة الفقر، وتعمق عدم المساواة بين الجنسين، وتزيد من أسباب تغيُّر المناخ. الأمم المتحدة وضعت هدفها للقضاء على الفقر بحلول عام 2030، لكن هذا التمركز في الثروة يعني أن جهود مكافحة الفقر ستتراجع، ولأول مرة منذ عقود نرى التفاوت في الدخل يرتفع بشدة. لذلك قال البنك الدولي في عام 2022 إنه لا يمكن تحقيق هدف الأمم المتحدة في القضاء على الفقر في الموعد المحدد.

ويذكر تقرير أوكسفام أن أصحاب المليارات يدفعون ضريبة منخفضة تبلغ حوالي 3%، بينما معظم الناس؛ مثل الممرضين والمدرسين- رغم أن دخلهم أقل- يدفعون معدل ضريبة أعلى من الأثرياء. وأن أصحاب الملايين دفعوا ضريبة ثروة بنسبة 2- 3 بالمائة. بينما إذا دفع أصحاب المليارات 5% ضريبة دخل عالمية، فإن ذلك سيحقق دخلًا يبلغ 1.7 مليار دولار في السنة؛ عندئذٍ يمكن استخدام هذه الأموال في البرامج الاجتماعية والسياسات البيئية والبرامج الاقتصادية التي تَفتقدُ حاليًا للتمويل.

ومع معدل ضريبة هكذا، بالإمكان انتشال ملياري شخص من براثن الفقر؛ لذلك يحُث التقرير على العمل للحدِ من عدم المساواة والظلم. وزيادة الضريبة على الأشخاص الأكثر غنى في العالم بنسبة تصل إلى 5% ستكون خطوة مهمة لتحقيق المساواة حسب تقرير أوكسفام.

الآن أكثر من أي وقت مضى، يناضل العمال والفلاحون وأصحاب الدخل المتوسط والفقراء من أجل دفع فاتورة مشترياتهم الضرورية، ومن أجل رعاية أُسرهم؛ لأن التضخم يرتفع في كل أنحاء العالم ويلتهم كل شيء. فالشركات ترفع أسعار منتجاتها وخدماتها ليس لأنها مضطرة لذلك، ولكن لرفع معدل العائد للمساهمين، مما يؤدي إلى زيادة في ثروة الأغنياء وفي نفس الوقت يدفعون ملايين البشر للسقوط في براثن الفقر.

وتشير الإحصاءات إلى أن 90 شركة ومؤسسة من الشركات العاملة في مجال الأغذية والطاقة ضاعفت في العام الماضي من أرباحها. وعوضًا عن الاستثمار في موظفيهم، دفعتْ هذه الشركات 257 مليار دولار لصالح المساهمين! وفي ظل هذا الجشع، يعيش 1.7 مليار عامل في بلدان يفوق فيها حاليًا التضخمُ الأجورَ.

من ناحية أخرى، طالب جوزيف استغلتز الاقتصادي الأمريكي الحائز على جائزة نوبل، بفرض ضريبة دخل تصل إلى حوالي 70 بالمائة على أصحاب الثراء الفاحش (المليارديرات) وذلك للمساعدة في معالجة عدم المساواة. استغلتز الحائز على نوبل في الاقتصاد عام 2001 والذي كان رائدًا في طرح العديد من الأفكار حول العولمة وعدم المساواة، قال إن فرض معدل ضريبة دخل عالمي بنسبة 70% على ذوي الدخل المرتفع "سيكون من الواضح أمرًا منطقيًا".

ويضيف استغلتز- خلال بودكاست نشرته منظمة أوكسفام- أن زيادة الضريبة على ذوي الدخل المرتفع، سيُقلل من عدم المساواة في المجتمعات، غير أن فرض ضريبة الثروة على الثروات التي جمعها أثرياء العالم على مدى أجيال عديدة؛ سيؤدي إلى تأثير أكبر. وبناءً على ما قاله استغلتز، فإن جائحة "كوفيد-19" زادت من عدم المساواة إلى درجة "مُذهلة"، وكشفت بشكل واضح عن عدم المساواة العالمية وفاقمت من حدتها.

وفي سياق متصل، عقد في العاصمة الكوبية هافانا، مؤتمرٌ حمل عنوان "من أجل نظام اقتصادي عالمي جديد"، وشارك في الاجتماع 43 وفدًا من علماء ودبلوماسيين وبرلمانيين من 26 بلدًا. ودعا يانيس فاروفاكيس وزير الاقتصاد اليوناني الأسبق في خطابه الافتتاحي إلى إنشاء "حركة عدم انحياز جديدة"، تعمل على التخلص من النظام الاقتصادي الدولي "الاستغلالي الإمبريالي"، وذلك ليحل محله نظام جديد؛ حيث يمكن للبشر والكوكب أن يتنفسوا ويعيشوا ويزدهروا معًا.

** باحث في قضايا الاقتصاد والتنمية