من "خليجي 25"

 

د. خالد الغيلاني

 

انتهت بطولة الخليج بنسختها الخامسة والعشرين، ومع ما صاحب هذه النسخة من أحداث، فإن الكيّس الفطن من يتعلم ويستفيد من هذه الأحداث، وتضيف له خبرات تراكمية يستطيع من خلالها التعامل مع أي حدث يطرأ.

ومن خلال متابعتي المتواضعة فإن هناك بعضًا من المحطات التي أراها جديرة بالمتابعة والاهتمام، ويمكن أن ينظر إليها ذوو الاختصاص إن بدا لهم ذلك مهمًا. أول الأمر أن دول الخليج لا زالت متمسكة وبشدة بهذه البطولة ذات الخصوصية الشديدة، ومع ما يصاحبها من أحداث في العديد من نسخها؛ تبقى ذات حضور، وأهمية، لذلك فالحرص على نجاحها مطلب وغاية، طبعا دونما مساس بأي حق من حقوق الفرق المشاركة.

إقامتها في العراق العظيم؛ لم تأتِ من فراغ، وإنما من منطلق الدعم القوي للأشقاء هناك، وللموافقة على استضافة العراق للبطولة الخامسة والعشرين أبعاد سياسية؛ فالعراق جزء من بيتنا الخليجي، وأيضًا أبعاد اقتصادية، إذ مر بأزمات وتحديات متتالية، وأبعاد اجتماعية؛ فالعراق عمومًا والبصرة خصوصًا لهما مكانة مميزة عند أبناء الخليج، وكم على شطّها المبارك فاحت نفحات مسك المحامل، وبين جنباتها سلكت سفائن الخير، ووطدت العلاقات بين الإخوة والأشقاء. ورياضيا فالعراقي منذ بدايات علاقته بالرياضة وكرة القدم خصوصًا وهو شغوف بها، متلهف لها، فكيف به بعد سنوات طويلة لم تشهد العراق خلالها جمعًا رياضيًا، ومحفلًا بهذا الحجم، وكما قيل لربما "من الحب ما قتل".

لم يقم الاتحاد العراقي لكرة القدم بدوره كما يجب في التنظيم بالشكل الذي يحقق أهداف البطولة كاملة وأولها تساوي فرص الجميع، وضمان حقوق كل فريق. وكان عليه بعد ما حدث في الافتتاح تدارك الأمر، واتخاذ تدابير عدم تكراره وهذا للأسف لم يحدث، وهنا موطن الضعف والخلل الذي وقعوا فيه لربما عن غير قصد.

أما الاتحاد الخليجي وهو الجهة المنظمة لهذه البطولة، فكان عليه متابعة الأمور بحرفية أكثر، ومساعدة الاتحاد العراقي بخبرات خليجية تعينه على التنظيم، وتجاوز أي خطأ، وكيفية التعامل مع كل ظرف، ودراسة أي سيناريو متوقع والحل المناسب له.

ولم يجدر برئيسه ذلك التصريح الذي فيه انحياز واضح للبلد المضيف، ورغبة داخلية لعودة الكأس للعراق بعد سنوات طوال.

ورغم يقيني التام بأن رئيس الاتحاد الخليجي لم ولن يتدخل فنيًا لتحقيق هذه الأمنية؛ لكن مجرد إظهارها خروج عن أبجدية عمله كرئيس محايد على مسافة واحدة من الجميع، وحديث القلوب لا يصلح دومًا للعلن.

أن تحرص سلطنة عمان ممثلة في حضورها الرسمي والجماهيري على نجاح البطولة واكتمالها؛ فهذا ليس بمستغرب ولا جديد، فمنذ المشاركة الأولى وعمان داعم أساسي للنجاح، وعنصر جوهري في تقريب وجهات النظر، وتمثل البطولة للرأي العماني الرسمي والشعبي مكونا من مكونات الوحدة الشبابية الرياضية الخليجية التي لا بد من دعمها. لذلك أن تتخذ الجهات المعنية قرارها بإكمال البطولة وحضورها رغم ما حدث قرار عماني مشرف، وهو متسق مع  التوجه العماني المعروف في شتى المحافل فرأينا نقوله دون إثارة وانسحاب.

وجميل أن تتخذ ذات الجهات المختصة قرارها بعدم حضور الجماهير العمانية للملعب؛ سواءً تلك المنقولة جوًا أو القادمة بطرق مختلفة على حسابها الخاص، فحفظهم وسلامتهم تأتي أولًا، وبطبيعة الحال فإن متخذ القرار اتخذه وفقًا للمعطيات المنقولة إليه عبر ذوي الاختصاص ممن كان حاضرًا للمشهد هناك، وكان لابُد من الالتزام التام بهذا القرار.

إن حضورنا الإعلامي ما زال في مثل هذه المحافل دون المستوى المطلوب من نواحٍ مختلفة؛ فبعض من الحضور يذهب به التعاطف حد التجاوز لمهام عمله، وطبيعة دوره الإعلامي كممثل لإعلام بلده في المقام الأول، وبعضهم الآخر ممن يحضرون ضيوفًا في برامج للمؤسسات الإعلامية غير المحلية، يركزون على توجهات ومآرب تلك المؤسسة وإن كان على حساب الحضور الإعلامي الوطني.

ثم لا بُد من وجود برامج إعلامية عُمانية خاصة تواكب هذه الأحداث، وتتصدى بالحوار والنقاش لكل وسيلة أو برنامج له توجهاته ورؤاه وتبث برامجها من هناك، فالقضايا المثارة والمختلفة تحتاج حضورا قويا، ورأيا جليا واضحا. كما إن للمتحدث الإعلامي المرافق للبعثة دور بالغ الأهمية، وللأسف فإنَّ لفقد هذا الدور أو التقليل منه ضعف مؤثر.

إن الجماهير العمانية التي واصلت ليلها بنهارها، وتجشمت مشقة السفر وصولا إلى هناك؛ هدفها وطني بامتياز، ودورها مهم للغاية، وغايتها نبيلة جدًا. فكيف لا تحظى بالاهتمام والرعاية؟! وكيف لا تجد أدنى درجات الترحيب وتقديم الدعم والعون لها؟! من المسؤول عن عدم استقبالهم في المطار؟ وتوفير كل الاحتياجات لهم؟ من المسؤول الذي قصّر في واجبه.

إننا وفي ختام هذا المقال عن بطولة الخليج في نسختها الخامسة والعشرين؛ فإن بيانًا فيه اعتذار واضح أو شرح وافٍ ليس تفضلًا من الاتحاد العماني لكرة القدم باعتباره المختص الأول؛ بل هو من الواجب الذي لا يجب تركه.

إننا في دولة المؤسسات حيث الشفافية أساس عملها، والحوكمة جزء منها، ولذا نقول: لا عذر.. لا عذر.. لا عذر.

ويكفي لنعلم أننا في مرحلة الوضوح التام والشفافية الحقة؛ أن نطلع على التقرير المجتمعي لجهاز الرقابة المالية والإدارية للدولة، لنعلم أننا نسير في عهد الهيثم السلطان بدرجة عالية من الوضوح والشفافية. وهما عنصران مفقودان في تعامل اتحاد الكرة مع مسألة جلوس كرام العرب على المضمار.

كلمة أخيرة بقيت وهي التهنئة الخالصة لرجال المنتخب وبواسله الذين كان لهم حضورهم المشرف وبذلهم المحمود وعطاؤهم الذي يمثل مفخرة نفتخر بها.

أيها المسؤول إن وجدت نفسك في موقف تتخذ فيه قرارًا فليكن قرارك مستمدا من وطن له الوفاء والرفعة. وسلطان له السمع والطاعة، وشعب حر له كل الكرامة، أو فالبعد خير وسلامة.