أهمية تعزيز القيم

 

د. خالد بن علي الخوالدي

khalid1330@hotmail.com

 

كنت أنتظرُ دوري بمحل الحلاقة وكان بجانبي رجل في الخمسين من العمر وصبي في الخامسة عشرة تقريبًا، اختلف الرجل الخمسيني مع الصبي الذي وصل قبله، الصبي لم يأبه واتجه نحو الحلاق ليبدأ الحلاقة، فحزّ ذلك في قلب الرجل فقال لي: "كيف ترى هذا التصرف؟ فقلت له الصبي غلطان، وكان يُفترض منه الاحترام والتقدير لأنك أكبر منه، وحتى لو كان دوره قد حان، فعليه أن يعازمك من باب المجاملة لأنك أكبر منه، فهذا ما تربينا عليه وتعودنا عليه منذ الصغر".

هذا الأمر قد يكون بسيطًا في نظر البعض، لكني أراه كبيرًا ومهمًا وضروريًا؛ فغرس القيم يبدأ من نعومة أظافر الطفل والناشئة. هذا الموقف وغيره قد يحدث ولا يلتفت إليه أحد ولا يُلقى له بالا، وتكرار أي أمر لدى الإنسان؛ سواء كان حميدًا أو سيئًا تتولد معه عادة مستمرة يصعب فيما بعد تغييرها. والقيم التي يتربي عليها الإنسان تلازمه في مسيرة حياته، لذا كان تغييرها من الصعوبة بمكان، فمن اعتاد قيمة الصدق مثلا لا يستطيع تجاوزها في أغلب المواقف، ومن تربى على الأمانة يكون وفيًا في كل وقت وحين، ومن عرِف معنى الاحترام والتقدير في أسرته وبيئته، لن يكون إلا محترمًا وخلوقًا، ومن كان ديدنه مساعدة الآخرين والوقوف معهم في الخير، فلن يتردد لحظة في القيام بهذا الواجب الإنساني النبيل؛ فالكريم الذي يتحلى بقيمة الكرم تأكد أنه تربى على ذلك، فتراه كريمًا في كل شيء.. في ابتسامته وحضوره الأنيق وكلامه الطيب، فضلا عن أنه سيكون كريمًا بالمال والحال. ومن تعود على قيمة الصبر لن تجده سلبيًا ومتأففًا وناقمًا على الحياة والدنيا والوطن وغير ذلك، والملتزم بقيمة التواضع أدرك أن هذه القيمة سامية ولا يجيدها إلا من ترفعت روحه ونفسه عن الصغائر والتكبر على خلق الله، وهكذا هي القيم تؤثر في حياة الإنسان وتجعله فاعلًا ومؤثرًا إيجابًا أو سلبًا في الحياة الإنسانية؛ بل إن الأمر يتعدى الأشخاص إلى الشعوب فيوصف شعب ما بأنه شعب كريم أو طيب أو بشوش أو بسيط والعكس.

وكما يُقال "كل إناء بما فيه ينضح"، فكل إنسان يمثل هوية لنفسه وأسرته ووطنه ومجتمعه، ومجتمعنا العماني يملك هوية أصيلة لها آثار تاريخية وإرث حضاري متجذر في أعماق التاريخ، ولعلني أذكر قيمة واحدة تمثل هذا المجتمع من سالف الزمان وحتى الآن كدليل على تعمق القيم، فقيمة التسامح وعدم التدخل في شؤون الغير هي قيمة واضحة وجلية للمجتمع العماني، فلم يذكر التاريخ أن الشعب العماني بدأ بحرب أو سفك دم إلا دفاعًا عن النفس والمال والعرض والذود عن حياض المسلمين ونجدة المحتاج؛ بل إن الحديث الشريف عن النبي صلى الله عليه وسلم وسام يعلقه كل عُماني على صدره "لو أن أهل عُمان أتيت ما سبوك ولا ضربوك".

ومن هنا فإن ضرورة غرس القيم الطيبة والعادات الحسنة المنبثقة من قيمنا الإسلامية وعاداتنا وتقاليدنا العمانية الأصيلة أصبح من الضرورة، والتمسك بعاداتنا وتقاليدنا الحميدة وقيمنا الإسلامية الحميدة والحرص كل الحرص على تعليمها أولادنا وتنشئتهم التنشئة الصالحة التي تعينهم على الحياة ومشاقها وأفراحها وأحزانها أصبح واجبا على كل فرد في المجتمع العماني، علينا الانتباه بأن الاقتصاد والتجارة والحياة بصورة عامة لا قيمة لها بدون الأخلاق والقيم النبيلة.

ودمتم ودامت عُمان بخير.