أيام شامية

"زواج القاصرات"

 

 

أمينة أحمد

أيامها ولياليها تحمل بين طياتها الكثير من الخبايا والقصص والعبر... الحكايات والروايات كثيرة وممتعة... كيف لا والحديث عن شامة الدنيا ... ونقطة البداية اسمها الساحر «شام» التي ذكر الباحثون أنّ اسمها منسوبٍ إلى سام بن نوح الذي استوطن المنطقة وبنى مدينة "دمشق" كما وردت كـ«شأم»، و«شآم»، وهي تذكّر وتؤنث، لكن التسمية للمؤنث، وتعني الشامة السوداء التي تظهر على الجلد، سميّت تلك المناطق ببلاد الشام التي تشمل سورية، وفلسطين، ولبنان والأردن لكثرة قراها وتداني بعضها من بعض، فشبّهت بالشامات، إنّها الشام التي تحمل بين أروقتها وفناء بيوتها العربية القديمة وأزقتها الضيّقة المعشّقة برائحة الحبق والياسمين عادات وتقاليد وأعراف أجمل ما فيها أنها مأخوذة من تعاليم الدين الحنيف.

ومن خلال سلسلة مقالات، نتطرّق إلى بعض العثرات الاجتماعية، والإيجابيات وغيرها مما يساهم في توعية النشء وبثّ الوعي، فليكن حديثنا اليوم عن أوّل لبنة ودعامة في الحياة ألا وهي الأسرة، ولا ننكر أنّه نتيجة الظروف الاجتماعية، والناحية الفيزيولوجية والظروف التي كان يعيشها السوريون سابقًا، كانت عادة زواج القاصرات أمرٌ مألوف في البيئة الشامية، وهذا ما نشاهده في العديد من الدراسات التي تناولت تلك المرحلة، فمن المعتاد وقتها أن الفتاة ما إن تطفئ شمعتها الثالثة عشرة حتى يرشّح اسمها بين فتيات الحارة للزواج وإنجاب الأطفال وتحمّل الأعباء المبكّرة لبيت الزوجية، لكن في العصر الحالي بات الأمر مختلفًا، وباتت الظروف المجتمعية، والطبيعية الفيزيولوجية للفتاة تجعل من ارتدائها الثوب الأبيض وهي دون الثامنة عشرة من العمر، تدفن طفولتها وتغتال فيه أحلام الطفولة البريئة تحت عباءة الزواج، وهي التي لا تكون جاهزة ذهنيًا ولا فكريًا ولا نفسيًا لتحمّل أعباء الزواج ومسؤوليات الأمومة والمنزل ومشكلات المجتمع ومشاكل المجتمع، فزواج القاصرات ظاهرة اجتماعية تكتسح بلداننا بصمت مطبق تحت بند العادات والتقاليد التي مازالت عالقة في أذهان بعض العائلات.

ولا بُد من الوقوف هنا على الأسباب المختلفة بين الحاجة والفقر، والعُرف الاجتماعي السائد في بيئة معينة، والوضع الأسري غير المستقر كطلاق الأبوين وأحيانًا لدوافع سلوكية عند الفتيات أو تحت حجّة الضغط المادي على الأب، مما يجعل أقصر طريق للتخلّص من مسؤولياته المجتمعية والمادية تجاه الفتاة بتزويجها ونقل مسؤولياتها السلوكية والمادية لغير عائلتها، وبالتالي تكريس ظاهرة زواج القاصرات بما لها من تبعات على الفتاة أولًا وعلى الأطفال ثانيًا وعلى المجتمع بكل تفاصيله مستقبلًا.

هؤلاء الفتيات بعمر الزهور لم يعشن فترة الشباب الواعي ولا يمتلكن من الحكمة والخبرة ما يكفي لإنشاء جيل واعٍ ومثقف، وغالبًا في منتصف العمر يصبحن جدات ويبدأن بمرحلة النضج الكافي للتمرّد على واقع لا يشبه أحلامهن ويدخلن في دوامة الطلاق أو الانفصال العاطفي أو الاستسلام لليأس... والتي تتجاوز تلك المرحلة بسلام تعود لتكرر كأسرة زواج بناتها القاصرات... وإنشاء جيل جديد محروم من أم متعلمة مثقفة معاصرة للتطوّر المتسارع للمجتمعات في عصر العولمة.

ويكون إنجاب الأطفال وتزايد أعداد الأسرة هو الشغل الشاغل لتلك الفتاة، بعيدًا عن الاهتمام بوضعهم الصحي أو العلمي أو حتى تأمين حياة كريمة لهم لا تشبه تلك التي عاشتها هي نفسها.

وهنا يبدو واضحًا أهمية تفعيل دور الجمعيات الأهلية والإعلام الهادف بنشر مخاطر زواج القاصرات صحيًا ونفسيًا واجتماعيًا من خلال عقد الندوات والإعلانات الطرقية والبرامج الإذاعية والتلفزيونية...والندوات والحوارات واللقاءات المتعددة والأهم التوعية المدرسية للفتيات والتأكيد على أهمية العلم لهن كأمهات المستقبل الواعد.

ولنترك البيئة الشامية وأحداثها وما كانت عليه ذكريات جميلة عالقة في أذهاننا أو مسلسلات جميلة نتابعها دون أن نتأثر بها.. وفي الختام نوجه الكلام للشباب المقبلين على الزواج أنتم يا أمل الأمة... أنتم يا أكبادنا عليكم أن تتخيّروا أمهات مثقفات ناضجات واعيات لأبنائكم، ولتبنوا برفقتهن أسر سليمة قادرة على النهوض بمجتمع صحي.

تعليق عبر الفيس بوك