عاملات المنازل.. ودور الأم الحاضر الغائب

 

سلطان بن ناصر القاسمي

في بداية حديثي أقدم تحية تقدير وإجلال لكل أمهاتنا الماجدات اللائي قمن بتربية جيل السبعينات والثمانينات من القرن الماضي، أولئك اللائي واكبن قيام نهضة عُمان بقيادة المغفور له بإذن الله تعالى السلطان قابوس بن سعيد- طيب الله ثراه؛ حيث لم تكن مقومات الحياة الحديثة موجودة آنذاك، فمع بداية التعليم تجدها هي المُحفزة لأبنائها لكسب العلم، وكذلك توجيههم للقيام بواجباتهم المنزلية، واكتسابهم القيم والعادات، والتقاليد العمانية الأصيلة، على الرغم من وجود الآباء خارج المنزل للعمل سواء داخل البلاد أو خارجها.

ومع تطور المجتمعات، وتطور الوسائل، والملهيات من أجهزة، ومواقع تواصل سرقت من الأسر ذلك الاهتمام المتبادل بينهم، فتجدهم مجتمعين في المكان، ولكنهم متفرقون في العقول، والاهتمامات، وترك عاملات المنازل يقمن بجميع الواجبات المنزلية والأسرية حتى وإن لم تكن الأم مرتبطة بعملها الرسمي خارج المنزل.

الكثير منَّا يدرك أهمية وجود عاملة المنزل في البيت في وقتنا الحاضر، والمهام التي تقوم بها، والأدوار التي تتنازل عنها ربة المنزل لها، ولكن هذا لا يعني أن نسلمها كل الأدوار المنزلية،  ونقول: إن آباءنا وأمهاتنا عاشوا في الزمن السابق دون عاملة منزل؛ حيث يقوم كل منهم بواجباتهم المنزلية بحب، وسعادة، لا يكترثون لحجم ذلك العمل الأسري أبدًا، وينشئون أبناءهم على الفضائل الحميدة، والقيم النبيلة.

ومنذ فجر النهضة، وبداية ظهور المدارس، والعلم في عُمان تمسكت الأسرة بكل قيمها، وبكل الواجبات المنوطة بها، وما إن طل علينا بداية التسعينيات من القرن الماضي، وبداية ظهور عمل المرأة خارج المنزل تطلب الأمر وجوب إيجاد البديل للقيام بالواجبات المنزلية لالتزام المرأة  بالوظيفة. وهنا أؤكد على أنني لست ضد عمل المرأة، وإنما هي شريكة في بناء هذا الوطن العزيز، كمشاركتها في بناء أسرتها، وبالدرجة نفسها من الأهمية، وإن زادت درجة أهمية البيت كونها نواة بناء الوطن، فإن صلح البيت صلح الوطن، وإن ضاع البيت ضاع الوطن، وعليه أؤكد على أهمية دور المرأة في بيتها، وبناء أسرتها، ولا ضير من وجود عاملة المنزل للمساعدة في الواجبات، دون تنازل عن أهم الأدوار التربوية بحجة أن المرأة موظفة، ولديها واجبات، ومسؤوليات خارج المنزل.

ومن أهم هذه الواجبات الإشراف التام على أبنائها؛ صغارًا كانوا أم كبارًا، ولا تترك تربية أبنائها لعاملة المنزل، وخصوصًا صغارهم، فكثيرًا ما قرأنا وسمعنا عن مشاكل نتيجة ترك هذا الدور للعاملة في المنزل، مما نتج عنه أمراض اجتماعية، وحالات نفسية، تعرض لها الأطفال، وبعضها وصلت إلى الجرائم بكل أنواعها، وكذلك تعلق الأطفال بالعاملة، وكثيرًا ما سمعنا، وشاهدنا عبر مواقع التواصل من مشاهد تعذيب تقوم بها عاملات المنازل في الأطفال، دون الاكتراث بالنتائج.

هنا أشدد في حديثي على أهمية قرب المرأة من أبنائها، وعدم ترك هذا الدور المهم للعاملة، وبالإمكان قيام الدولة بتمكين المرأة العاملة من قيامها بأدوارها من خلال تقليل ساعات العمل لديها، حتى تتمكن من القيام بأهم الأدوار، وهو المحافظة على بناء الأسرة، والذي لا يقل أهمية- إن لم يكن أهمها- عن قيامها بعملها الوظيفي، وفي هذا السياق تحضرني كثير من المشاهد؛ حيث نجد الأم تذهب منذ الصباح إلى العمل، وتترك أبناءها مع العاملة في البيت لترجع من الدوام، وتأخذ قسطًا من النوم، وتترك الأبناء مع العاملة لتذهب بهم خارج المنزل للترفيه، أو للتسوق إلخ.. والحقيقة هي تذهب للالتقاء بقريناتها العاملات في المنازل الأخرى، وتتبادل معهن أطراف الأحاديث، دون الاكتراث للأطفال، إلا من رحم الله منهن، ويستمر هذا الوقت أحيانًا إلى ما بعد صلاة المغرب، والأم لا تعلم ما يحدث لأطفالها، وطبعًا أنا هنا لا أعمم على جميع الأسر، وإنما هذه ظاهرة منتشرة في المجتمعات، وعلينا الانتباه إليها، وعدم التغافل عنها، ناهيك عن مشاكل تعلق الأبناء بقيم، وعادات تلك العاملة.

ومن هنا فإنَّ لدي بعض الملاحظات للأمهات الفاضلات للإشراف، والقيام بأدوارهن الأسرية، منها:

أولا: اهتمامك بعملك، ووظيفتك لا يفقدك مهامك، وواجباتك الأسرية من تربية للأبناء، والإشراف عليهم.

ثانيًا: العاملة هي عامل مساعد في المنزل فلا تدعيها العامل الرئيس في ذلك، ولا تتنازلي عن أهم واجب للأم في بيتها، وهو الاهتمام بما تحتاج إليه أسرتك من مسؤولية أسرية. نعم، العاملة مساعدة، وبالإمكان الإشراف عليها في وجودك إلى جانبها، وقريبة منها، ومن بيتك.

ثالثًا: دور المرأة في بيتها في الإشراف على دراسة أبنائها ومتابعتهم في واجباتهم طبعًا مع مشاركة الزوج في ذلك إن كان متواجدا في البيت، نظرًا لأن كثيرًا من الرجال يعملون في مناطق بعيدة عن منازلهم وعليه تقع هذه المسؤولية على الأم التي أدعو الله أن يعينها وأن يبارك في أسرتها.

رابعًا: التشجيع على أهمية صلة الرحم، وإعداد برنامج للزيارات الأسرية؛ لما لها من أهمية في تقوية الروابط الأسرية، واحترامها؛ فالابتعاد عن هذا يساعد على تفكك الروابط الأسرية في قادم الزمن، فزيارة الجد، والجدة، والعم، والعمة، والخال، والخالة، له الكثير من الأهمية في التربية. وأعتقد أننا لو نظرنا الآن في المجتمع لوجدنا أن هناك أسرًا فعلًا تفتقد إلى هذه الزيارات بحجة الانشغال، أو البعد، ومن هنا أشدد على أهمية تلك الزيارات لما لها من بعد اجتماعي لدى الأبناء.

خامسًا: وجوب الانتباه إلى التقنين في الزيارات، والالتقاء بالصديقات، وهنا أؤكد على أهميتها، ولكن دون المبالغة فيها؛ حيث نجد بعض الأمهات يتركن منزلهن، وأبناءهن، ويذهبن للالتقاء بصديقاتهن، وحضور المناسبات العامة، والخاصة بشكل مبالغ فيه، ناهيك عن التجمعات في رحلات داخلية في البلاد، وخارج البلاد بحجة إيجاد متنفس لهن خارج نطاق الأسرة، والبيت، وأرى أن يكون البديل في ذلك هو التجمعات الأسرية؛ لما لها من فائدة في تقوية صلة الأرحام، وكذلك السفر مع الأسرة إن وجدت الإمكانيات المادية.

فتحية تقدير، واحترام لكل امرأة وأم تقوم بتربية النشء على الفضائل، والقيم الدينية، ومساعدة أبنائها في أداء واجباتهم الدراسية، راجيًا من جميع الآباء، والأبناء - ممن أنهوا مراحل الدراسة-، ضرورة وسرعة الوقوف - جنبًا إلى جنب- على هذا الدور، والأدوار الثانوية لهم.

وأشير هنا إلى المساعدة في توفير متطلبات الدراسة، مثل: زيارة المكتبات، وتنفيذ المشاريع، وغيرها من متطلبات، فكونوا العون، والسند لهم.

وللحديث عن نتائج غياب الإشراف الأسري نجد الكثير من النقاط السلبية، وتجدها متشابهة إلى حد ما مع هذا الجيل، ومن خلال استطلاع الآراء لبعض الأصدقاء، والزملاء أوجزها هنا فيما يأتي:

فمثلًا تجد الأبناء اعتمادهم الكلي على العاملة لتنظيف وترتيب غرفهم، وهنا لا أعمم، فهناك أسر أجادت التعامل مع هذه النقطة بكثير من الحلول، منها إلزام الأبناء بتنظيف غرفهم، أو حتى اختيار يوم في الأسبوع للقيام بذلك، وكذلك تعويد الفتيات على القيام ببعض الواجبات المنزلية البسيطة حتى تستطيع في المستقبل إدارة منزلها، وأسرتها، وإلا فسوف نجد في المستقبل الاعتماد الكامل على العاملة، وإن حدث- لا قدر الله- وتم إيقاف استجلاب العاملات، فماذا نحن فاعلون؟

لذا يتوجب علينا كمجتمع الانتباه لهذه الظاهرة السلبية بتثقيف أبنائنا، وتحفيزهم على المساعدة والقيام بأدوارهم المنزلية. وهناك من النساء غير الملتزمات بوظائف، وتعتمد اعتمادًا كليًا على المربية بحجة أن الجميع لديه عاملة منزل، نعم، لا ضير من ذلك، ولكن على مسافة قريبة منها في تأدية الواجبات المنزلية حتى تشعر العاملة كذلك أنكم مشاركون معها في الأعمال المنزلية، وهنا  أوجه دعوتي لكل ربة بيت -على الأقل: قفي على مسافة إشرافية قريبة جدًا من العاملة، ولا تتكاسلي، فأنتِ من تربي الجيل الذي يعتمد عليه الوطن.

سادسًا: دور الحاضنات في التخفيف من معاناة ترك الأطفال لدى العاملة في البيت، حيث أجد- من وجهة نظري الشخصية- البديل الآمن للطفل لوجود الجهات المسؤولية الإشرافية البديلة، إن لم يكن هناك إمكانية تركهم مع من هم موجودون في المنزل مثل الجد، والجدة أطال الله في أعمارهم، وحفظهم.

فتحية تقدير، وإجلال، واحترام لكل المربيات اللائي يقمن بواجباتهن الأسرية، والتربوية.

حفظ الله عماننا الحبيبة، وحفظ سلطانها المفدى.

تعليق عبر الفيس بوك