"الهولوكوست العربي"

سعيدة بنت أحمد البرعمية

من حسن الحظ أن الكرة الأرضية ما زالت تدور حول نفسها، والطبيعة مستمرة في كظم امتعاضها؛ بالرغم ممّا عليها من التفاهة والاعوجاج!

ألفريد هوج طبيب الأمراض النفسية ألماني الجنسية، كانت لديه أفكار حول كيفية تحسين النسل البشري بهدف الحد من المعاناة الإنسانية، استطاع نشر أفكاره من خلال التعاون مع الكاتب كارل بايندنك، وذلك بتأليف كتاب يتضمن أفكاره عام 1920 بعنوان "الرخصة للقضاء على الأحياء الذين لا يستحقون الحياة".

تقوم الفكرة الأساسية للكتاب على ما أسماه ألفريد هوج بـ"القتل الرحيم"، وهو الحل الذي توصل إليه بشأن المصابين بالأمراض المستعصي علاجها، الفكرة ذاتها فتحت للحزب النازي في ألمانيا قتل اليهود بحكم أنهم المرض الذي أصيبت به ألمانيا.

لم يتضمن الكتاب أيّ مفردة ترمي إلى الإبادة أو التعصب أو التطرف لدين أو عرق؛ لكن هناك من آمن بأفكار الكتاب، وأيقن أنّ هناك ما يستدعي تطبيقها وأنها الرخصة للتخلص من بعض البشر؛ كالمرضى الذين لا علاج لهم، إنما يُعتبرون عبئًا على الموسسات الصحية وعلى أنفسهم، أو كالمرض من وجه نظر هتلر.

ما أودُّ طرحه من خلال هذه المقدمة، هو مدى تأثير زرع الفكرة أيّ كان نوعها، ومدى تأثير قراءة الكتب على المتلقى؛ فإذا كان هذا تأثير قراءة كتاب فما الحال بعد دراسة منهاج ممنهج لأجيال متلاحقة؟!

إنّ ما صرحت به دولة عربية تجاه إدراج دراسة الهولوكوست في مناهجها التعليمية ابتداءً من الصف الأول ليشمل كافة المراحل الدراسية، جعلني أتساءل: هل تضمنت مناهجنا الدراسية نحن كعرب من خلال منهاج ممنهج بهذه الدقة خلال جميع المراحل الدراسية أحداث "نكبة 1948" في فلسطين أو أحداث "نكسة 1967" والتي طالت أحداثها 4 دول عربية؟! هل أدرجنا في مناهجنا مجازر المخيمات والإبادات الجماعية في صبرا وشاتيلا وغيرها من المخيمات؟ هل أدرجنا في مناهجنا عمليات القصف العشوائي على المستوطنات الفلسطينية وهدم المنازل وقتل العزّل؟ هل أدرجنا في مناهجنا القتل المتعمد للصحفيين العرب وغير العرب عند محاولتهم نقل الحقيقة؟ هل أدرجنا في مناهجنا قتل الأطفال والنساء في غزة وفي جنين وبقية البلدات الفلسطينية الأخرى؟ هل أدرجنا في مناهجنا ما حدث في العراق ويحدث في اليمن حتى الآن؟ هل أدرجنا في مناهجنا أسباب بشاعة الحروب العبثية من أجل النفط ونهب المعادن والمتاحف وحرق الكتب في البلدان العربية، وما نجم عنها من مجاعة وبرد وتشرّد وتهجير؟

نحن أيضًا لدينا هولوكوست عربي يستحق أن يمنهج في مناهج دراسية؛ فالأولى أن تعرف الأجيال بالهولوكوست العربي أولا؛ فلا أظن هناك من يجهل الحرب النازية، فقد استطاعت كتب التاريخ أن تذكرها للطلبة كغيرها من الأحداث التاريخية، أمّا تناولها كمادة أساسية في جميع المراحل الدراسية، يخرجها من كونها حدثًا تاريخيًا وسياسيًا إلى نظام تربوي ممنهج على تطلعات وغايات للغوص بها في مختبرات التجارب والنتائج لخدمة الكيان الصهوني، وإفساد أجيال لخلق جنود توجه البندقية إلى أهلها، لسبب أن منهاج الهولوكوست سيُربي أجيالًا على مبادئ معادية للفطرة الإسلامية وتجريم الحق العربي في فلسطين، في نظرهم، وهذا ما لم يدركه من يوافق على تعليم الهولوكوست لأبناء شعبه!!

إنّ َ إسرائيل لم تعد تهتم لأمر ما حدث في ألمانيا بين عامي 1941 و1945، بقدر ما هي متجهة لما يُمكّن لها المستقبل الهادئ في فلسطين من خلال اقناع العرب بوجود إسرائيل وعاصمتها القدس. ومن المؤكد أن ما حدث مؤخرا في كأس العالم في قطر صدم الآمال والتوقعات لديهم، وهذا ما صرحت به الصحافة الإسرائلية، فقد قال أحدهم: "بعد ما رأيت في قطر كمية الكره الذي تكنّه لنا الشعوب العربية وغير العربية، أدركت أنه لا تفاهم مع العرب".

يبدو أن بعد هذه الحقيقة التي برزت في مونديال قطر، أخذت إسرائيل تفكر بطريقة أكثر عمقا وهي تربية النشء العربي منذ الصغر، ففتحت باب آملة أن تجد من خلاله المعبر إلى الدول الأخرى بحكم الجغرافيا والسمات الأخرى المشتركة والتعاون والاختلاط بين الشعوب الخليجية تحديدًا، والعربية عامة، وهو وضع منهاج الهولوكوست متجاهلة تماما الهولوكوست الفلسطيني والعربي بشكل عام.

ما أراه الآن أن فكرة كتاب كارك بايندنك ذاتها تتكرر بشكل أكثر منهجية؛ ولكن ما لا تدركه تل أبيب أننا لسنا بحاجة للدرس النازي؛ فلدينا ما يكفينا من الدماء المسفوكة والإبادة كي نمنهج عليها أبناءنا وأولها أنّ "فلسطين عربيّة حُرة وعاصمتها القدس الشريف".