د. خالد الغيلاني
حينما أوصى السلطان قابوس بن سعيد- طيب الله ثراه- أعزَّ الرجال، وأنقى الرجال، وأجل الرجال، وأرحم الرجال بشعبه، وأوفاهم لوطنه، بأن يكون حضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- سلطانًا على عُمان، لم تكن وصية تحركها دوافع المحبة والقربى؛ وإنما وصية دافعها عُمان المستقبل، والتوسم في أن مولانا السلطان المُعظم الوفي النقي القادر على حمل الأمانة وصيانة العهد، والعرب لا تتوسم إلا بعد تمحيص وتدقيق، وحسن روية وتفكير، ومعرفة ببواطن الأمور وظواهرها.
في ليلة قاتمة شديدة السواد غادرنا الوالد السلطان الباني، وفي صباح أشرقت شمسه على عهد جديد، وحاضر سعيد؛ ومستقبل رغيد، خاطبنا سطاننا هيثم بذات النسق، ونفس القرب، تابعنا ذلك الخطاب الصباحي المُفعم بمشاعر عبَّرت عنها نبرة صوت جلالته، وأكدتها ملامح وجهه، بادرنا بالحب والوفاء، فبادرناه بالعهد والولاء، أمضى العهود على حسن الرعاية لنا، والسير بعُماننا نحو نهضة متجددة واضحة المعالم، سنية النور، بهية البذل، عُمانية الفكرة، هيثمية الطموح والشموخ.
عازم حازم، متطلع للمُستقبل، يعلم إلى أين يسير بعُمان، وكيف يسير بها، قدرة فذة، ورصانة رسختها السنين، حنكة أثبتتها الأيام، قدرة على التعامل مع شتى الظروف، ومختلف الحوادث، هذه بعض من صفات مولانا السلطان هيثم بن طارق المُعظم، فهو خلال سنوات حكمه التي لم تتعدَ أصابع اليد الواحدة، واجهت البلاد خلالها تحديات تنوء بحملها عواتق الرجال ذوي البأس والشدة، انبرى لها الهيثم السلطان، تصدى لها لثقته في قدراته، وليقينه أن أبناء عُمان لا تفت من عضدهم حوادث الأيام، ولا تقلبات الدهر، ونواكب الزمان.
تسلم مقاليد الحكم، والداخل العماني يُعاني من ارتفاع في الدين، وانخفاض في أسعار النفط، وزيادة في عدد الباحثين عن عمل، وتوترات عالمية، وانقسامات واستقطابات على المستوى الدولي، تجاذب وتنافر، فسطاط هنا وفسطاط هناك، والكل يخطُب ود السلطان الجديد، لعله يكون مُنحازًا لأجندة هذا أو ذاك.
لكنّه الهيثم السلطان الحكيم، أكدها واضحة صريحة لا تأويل فيها؛ عُمان في سياستها الخارجية ثابتة، لا مساس فيها، لا نتدخل في شؤون الغير، ولا الغير يتدخل في شؤوننا، السلام مبدأ نؤمن به، نسعى إليه، ندعمه، نعمل من أجله، لا يملي أحد علينا فكره وتوجهه، ولسنا ملزمين بأن نُبرر توجهات سياستنا لأي أحد، مسقط قبلة الجميع، وستبقى، نحن ضمن الخليج الواحد، والبيت العربي الواحد، والعالم الحر الواحد.
أما على المستوى الداخلي؛ فالوضع مليء بالتحديات، فجاءت خطة التوازن المالي وقرارات وتوجيهات، ومضى الوطن بسلطانه عزمًا وبذلًا، وببنيه صبرًا وصبرًا؛ حتى بدأت أسعار النفط تتعافى، والاستثمارات تتوالى، والحوكمة تفعل فعلها الناجع، وتداوي رأس من يشكو الصداع.
وها نحن اليوم نستشرف عامًا جديدًا من مسيرة نهضتنا المتجددة؛ أكثر يقينًا بفكر سلطاننا، وأكثر حماسًا بتنفيذ توجيهاته، وأكثر قربًا من حرصه وسعيه، وأكثر رؤية لانفراجة سريعة يستبشر بها أبناء عمان، ويسعد بنعيمها الصابرون المحبون المخلصون، ولعل ما تم تخصيصه للرعاية الاجتماعية من بواكير هذه البشارات، وتقاديم الكثير من الخيرات.
فمرحى بالحادي عشر من يناير، مرحبا به شهرًا تجدّدت فيه نهضتنا، وسمت فيه إنجازاتنا، وتعلّت فيه راياتنا.
مولانا صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظكم الله تعالى ورعاكم- نُجدد العهد الثابت، والبيعة الصادقة على السمع والطاعة في العسر واليسر، والمنشط والمكره، طاعة من يرجو لعُمان عزتها وفخارها ومجدها وسُّموها. حفظكم الله تعالى وسدد خطاكم ودمتم تحفكم عناية الرحمن، ودعوات شعبكم المحب، ودامت عُمان نبع الخير والفلاح، وموطن العز والنجاح، ودمتم أبناء عُمان الميامين أوفياء من كرام العرب.