النظر بدون رؤية

 

أحمد بن موسى البلوشي

 

عقول البشر لا تحب الغموض في الأشياء، وتكره الصورة الضبابية لمجريات الأحداث، فتجد هذا العقل دائمًا يسعى لتكوين الصورة الكاملة عن هذه الأشياء التي يراها أو يسمع عنها، سواء كانت هذه الصورة حقيقية أم أنها عكس الواقع؛ لذلك تجد أحيانًا أن الصورة التي يكوِّنها الفرد عن هذه الأحداث غير صحيحة، أو ربما أكملها من وجهة نظره فقط؛ بهدف أن يرضي نفسه وعقله باكتمال الصورة لديه وإن كانت من زاوية واحدة فقط ألا وهي زاويته.

وهذا يمثل ضررًا على الشخص نفسه وعلى المُجتمع بكونه نشر معلومات وأخبارا وقصصا لا تمت للواقع بصلة، والإنسان بعقله يريد دائمًا أن يُقنع نفسه بأنه يعرف الصورة الكاملة عن الأحداث والقصص والأشياء التي تحدث بأي طريقة كانت، فتراه ينشر الأخبار والمعلومات عن الموضوع بهدف أن يخبر الناس بأنَّه يعرف الصورة الكاملة عنه، فلا عجب أن يرى الخط المستقيم بأنه خط دائري مكتمل وهذه مشكلة بحد ذاتها يقول هيلين كيلر: "الشيء الوحيد الأسوأ من كونك أعمى البصر هو وجود النظر بدون رؤية".

سابقًا، كان الناس يعتمدون على الصحف والمجلات كمصدر أساسي للمعلومات، إلى أن سيطرت وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة على المعلومات والأخبار التي تُنشر، والكثير من الدراسات أثبتت أن نوعية الأخبار لها تأثير كبير على الناس وحياتهم؛ سواءً كان هذا التأثير إيجابيا أم سلبيا؛ لذلك وجب علينا أن نعي شيئًا في غاية الأهمية بأنه ليس من الضروري أن نُرضي عقولنا على حسابنا وحساب الآخرين بنقل ونشر أخبار ليس لها مصداقية، ليس من الضروري أن تكون لديك صورة كاملة لأي حدث يحدث، أو قصة تسمعها، فأحيانا الظروف لا تسمح لك بأن تُكوِّن صورة كاملة عن الموضوع، أما أن تؤلف قصة وأحداثا معينة لموضوع ما وتحاول نشره في المجتمع فهذه مصيبة، أو تحاول أن تفسر موضوعا ما من وجهة نظرك أنت فقط فهذه تعتبر مصيبة أيضًا، فكم من قصص سمعناها وقرأنا عنها في وسائل التواصل الاجتماعي وهي غير صحيحة أو ربما يكون جزء بسيط منها سليم والباقي عار من الصحة، والبعض يُفسر ويحلل بعض البيانات والقوانين والمعلومات التي تصدر من الجهات الحكومية من وجهة نظره وزاويته فقط فيتأثر بها ويؤثر على الآخرين.

عزيزي القارئ لا تحاول أن تُركِّز على الأخبار التي تُزعجك، أو الأخبار التي لا تهمك بشيء؛ لأن الكثير منها غير صحيح، وتأكد دائمًا أن الكثير من الأخبار لا يؤثر عليك لا من قريب ولا من بعيد؛ فالأفضل لك عدم التعمق فيها وتجاهلها، وأنت عزيزي الذي تحب أن ترى الصورة الكاملة لأي موضوع ما نقول لك: نعم من حقك أن تبحث وترى الدائرة المتكلمة لأي حدث، ولكن لا تحاول أن تصنع سيناريو وقصة لأحداث لم تحدث بهدف أن ترضي عقلك على حساب الكثير من البشر.

تعليق عبر الفيس بوك