انهيار الشركات.. هل السبب في الإدارة؟

 

يوسف عوض العازمي

alzmi1969@

 

"القائد لا يخطط ثم يحاول عبثًا تغيير الظروف؛ بل عليه أن يجعل خططه تتوافق وتنسجم مع الظروف" جورج باتون.

----

في أي شركة أو مؤسسة أو حتى جهة خاصة أو حكومية، تعد الإدارة الحصيفة هي الأهم والمهم، والإدارة الحصيفة تعني معرفة القدرات الحقيقية للجهة المدارة والتعامل وفق ذلك، بمعنى آخر هي احترام القدرة الحقيقية، وعدم الانجرار وراء طموحات غير واقعية؛ فالصعود بثقة وإن كان بطيئًا، أسلم من صعود سريع غير مدروس.

وفي مجال شركات الإنشاءات الكبيرة، تكون الإدارة الحصيفة هي العامل الأساسي في تسيير أعمال الشركة، والإدارة التي أقصد ليست إدارة المشاريع المتعاقد عليها فحسب، إنما الإدارة العامة للعمل العام، من خلال تكوين فكرة كافية عن ماهية المشروع المزمع تنفيذه، وتفعيل عمل إدارة المخاطر، و هي الإدارة الأهم في أي شركة من هذا النوع من الشركات، نظرا لعدة عوامل مختلفة قد تؤثر على حسن سير العمل من كل النواحي، فإن لم يتم تفعيل إدارة المخاطر بشكل فعال، لاتحدثني وتبرر الأخطاء والفشل!

وقبل سنوات قريبة كما علم العديد من المهتمين، فقد إنهارت إحدى أكبر شركات الإنشاء في بريطانيا، ذات السمعة العالمية البراقة، واختلفت الأسباب المعلنة حول انهيارها الذي ذكر في أحيان إنه مفاجئ، في حين من يتابع أخبار الشركة، سيعرف أنه كان أمرًا طبيعيًا بسبب بعض الإرهاصات التي بدأت منذ أشهر قصيرة قبل أزمتها، عندما تعرضت الشركة لهزةٍ عنيفةٍ، استقال على إثرها الرئيس التنفيذي، وبعدها حاولت الحكومة البريطانية انتشال الشركة من أزمتها بمنحها عدة عطاءات بملايين الجنيهات الإسترلينية، منها خط سكك حديدية، والسماح لها بالاستمرار في العقود مع الجيش البريطاني، وهي عقود ضخمة، لكن كما يبدو أن حال الشركة ميؤوس منه، وصعب إصلاح الضرر، وماجرى من الحكومه البريطانية كان أشبه بالمسكنات لمريض شارف على الموت!

الذي لفت نظري في التقارير الذي تحدثت حول الشركة التي تأسست عام 1999، وحققت نجاحات سريعة، واستحوذت على عدة شركات منافسة، وأصبحت رقمًا صعبًا في قطاعها، حتى إنها استطاعت الحصول على عقود كبيرة خارج بريطانيا، في عدة مناطق حول العالم، ومنها دول في الشرق الأوسط، أن جل التقارير ركزت حول أمرين ساهما في ما وصلت إليه الشركة:

  1. تأخر دفعات من مشاريع كبيرة من 3 دول في الشرق الأوسط.
  2. أخذ مشاريع كبيرة، ثبت لاحقًا عدم جدواها الاقتصادية!

فما الذي أفهمه من السببين السابقين؟

الفهم واضح جدًا، هو عدم التفعيل المناسب لإدارة المخاطر؛ إذ كيف تقدم على عقود مشاريع في الشرق الأوسط، مع دول اشتهرت بالتعامل السيئ في تسديد الدفعات للمقاولين، إلى جانب عدم الاستقرار الاقتصادي وتذبذب قيمة العملة المحلية (أقصد إحدى الدول المقصودة)، إضافة إلى دولة عرفت بالفساد المستشري في عقودها مع الشركات، وغير ذلك كثير مما يعرف، ومما لايعرف أيضا، وهنا درس للشركات التي تسعى وراء التعاقدات في الشرق الأوسط أو أي مكان آخر، وهو الحرص على دراسة الدولة التي يسعى إلى جلب عقد منها، دراسة حقيقية، من خلال وضعها السياسي، والاقتصادي، وطريقة التعاقد مع العمالة، والجمارك وإعفاءاتها، وسهولة وصعوبة نقل المعدات والآليات وغير ذلك من الأمور المهمة في ذلك المجال.

أما السبب الثاني وهو الدخول في مشاريع لم تثبت جدواها الاقتصادية، وهنا نقصد أنها ليست ذات فائدة للشركة، فهنا قد نفهم أن المشكلة داخلية بالشركة ذاتها، قبل أن تكون خارجية، وأيضا نعود لإدارة المخاطر وتفعيلها.

مساحة المقال ليس فيها من السعة، ما يجعلني أدقق أكثر، ولكن تبقى المشكلة في الإدارة، قد لايكون هناك فساد إداري، والإدارة أمينة ونزيهة، لكنها لا تملك القدرات المطلوبة للإدارة الإبداعية، وللإدارة الإبداعية مداخل ومخارج، وفقرات وبنود، ودراسات، وليست فقرة أو سطرا في مقال، لكن أهم ما في الإبداع الإداري هو معرفة القرار الصحيح، ثم اتخاذ القرار الصحيح، ثم تنفيذ القرار الصحيح، وهذه نظرية أو قاعدة سار عليها الكثير من مبدعي الإدارة في العالم.

أصبحت الشركة البريطانية الشهيرة في وضع صعب جدًا، وقرأتُ أنه تم اتخاذ قرار بتصفية الشركة، ولم أتابع ما الذي آل إلية الوضع لاحقًا، على الأقل في المستقبل القريب للشركة، خاصة بعد تعذر تدخل الحكومة البريطانية مجددًا، لاستكمال عملية إنقاذها، بعد تصريح أحد الوزراء بعدم إمكانية التوسع في إنقاذ الشركة.. لأسباب ضريبية وسياسية داخلية.