2023

 

أنيسة الهوتية

وَهاَقَد دَخلنا العام الميلادي الجَديد 2023، والذي لَطالما طِوال الفترة الماضية كنت أظن بأنني لَن أعيشَ لحظة دَخول هذا العام بِحُلتهِ الجَديدة! فقد كانَ شُعورُ قُربِ المَوتِ يزداد يَومًا بعد يَوم! ولَكِنه لَم يكن شُعورًا مُزعجًا أو مُخيفًا أو كئيبًا كَما كُنتُ أقرأُ عنهُ في بعض الروايات أو أسمع من بعض الأشخاص المصابين بهلوسة الوسواس القهري بقرب الموت والذي يُصيبهم بالجنونِ غالبًا.. فقد كانَ شعوري وكأنني قد قُطِعَت لِي تذكرةٌ بدون تحديد تاريخ السفر أو الوُجهة التي سأصِلُ إليها! وَعَلي أن أعد عدتي، وأُجهَز حقيبة السفر، والمستندات اللازمة للصعود إلى الرحلة التي أودُ أن توصلني إلى وجهةٍ أتمناها! وألا أتفاجأ بالعكس! وأيضًا حتى لا تكون الإجراءات مُزعجة ومؤذية في المطار من لحظة الدخول وقطع كعب التذكرة إلى إجراءات الجمارك والشرطة وغيرها..إلخ! وأيضًا لأحظى بالسلام التام مِن وقت الإقلاعِ إلى الهبوط وخدمة الدرجة الأولى في الطائرة. فكل ذلك لن أنالهُ إلا بدفعي لقيمته منذ الآن، فتذكرة الدرجة الأولى دائمًا ثمنها غالٍ.

وأخشى أنني إن لم أفعل ذلك ولَم أتجهز سريعًا، سأتفاجأ بنفسي في وسط تِلك الرحلة وأنا لست على استعداد ووضعي وشكلي لا يساعدانني للصعود إلى مقصورة الدرجة الأولى ولن يقبل العاملون على تلك الطائرة الواسطة أو حتى أي شيء آخر! إنهم صارمون جدًا بتنفيذ الأوامر.

وأيضًا خشيتُ أنني إن وضعت في تلك الطائرة وأنا لست على استعدادٍ للسفر، وبهيئتي وهندامي الرثين بلا رونق ولا أناقة ولا كشخة.. سيعاملونني معاملة سيئة ويُنزلونني إلى موقعٍ أسفل سافلين لا سمح الله.

ومَع الاجتهاد لدفع قيمة تصعيد درجة التذكرة، وأيضًا لدفع قيمة الإقامة والإعاشة في المنطقة الراقية جدًا والاستمتاع برفاهية الحياة التي لن تنتهي، زادَ شَوقي إلى معرفة وجهة سفري، وشَوقي إلى من سأراهم من جديد بعد طول غياب، وأيضًا زادَ شوقي إلى من سأفارقهم فبدأت بافتقادهم وهُم أمام عيني وسعيتُ لقضاءِ أكبر وقتٍ مُمكن معهم حتى أُشبِعَ شوقي المُتلهَفَ عليهم، وأيضًا حتى أُرضيهم فلا يسكنهم الحزن والندمُ بعد أن أفارقهم بأمر ربي.

نعم فقدت الرغبة في التسوق، لأنَّ بالي كانَ مشغولًا كثيرًا بـ:ماذا سيكون لون لِباسي هُناك؟ أهو فعلًا أخضر؟ وهل هو أخضرٌ سادة أم منقش، أم مزهر، أم مزركش؟! وبين فكرة وفكرة استغفر ربي على عجلة أفكاري تلك ثم أقول لعقلي أن يهدأ قليلًا لأنه بدأ يدخل في التفكير في أمورٍ ستحصل لاحقًا بعد أن تنتهي هذه الدنيا، أما قبل ذلك فإن أغلب من رحل عن هذه الدنيا يكونون أرواحًا طائرين في البرزخ!

فيضربُ عقلي "بررييك" قوي، ويعمل "ريستارت" للأفكار، ثم يستلمهُ روحي فيحضنه ويُهدئهُ من حماسته، وتُسلمهُ إلى قلبي الذي يحتويهِ ويبدأ بنفث العاطفةِ فيه، والحنان، والحُب، والاهتمام، والخشوع في واقع الحياة الدنيا،، وما أن يبدأ بالخشوعِ  والتركيز في صندوق الحياة الدُنيا، وإذا بالنفس تأتي على صهوةِ جوادها وتُنادي: هيا بِنا فهناك الكثير من المغامرات التي تنتظرنا هنا "بنواحي حال هناك يوم غايته"، الآن علينا أن نستمتع بما هو موجودٌ حولنا..

فأجدني قَد رجعت إلى الأرضِ بعد أن كنت أطير في السماءِ، وأنا على صهوة جواد النفس مُمسكةٍ بقميصهُ الذي قددتهُ من دُبرٍ، وهو يصرخ في وجهِ كل ما يمر به: "إييي هاااا" الآن أنا أشعر بأنني من "الكاوبويز" من فيلم "ذا غود ذا باد أند ذا أغلي"، فأخبرتهُ: أرجوكَ دعنا نكون "كلينت إيستوود" في الفيلم "ذا غوود" وليس الآخرون "عشان خاطري".

ودخلنا مغامرة جديدة.