المستشار

 

سليمان المجيني

tafaseel@gmail.com

 

لا غرابة أن يُصبح لكل واحد منِّا مستشاره الخاص الذي يأوي إليه في بعض أموره قبل القيام بها، ولم يكن هذا الأمر حكرا على فئة أو مؤسسة حكومية أو خاصة، وعادة ما يكون المستشار صديقاً أو أخا أو قريبا أو كبيرا في السن أو حتى غريبا أشار إليه كثيرون بالمعرفة بالنسبة للأفراد العاديين، وربما يكون موظفا داخل مؤسسة ما.

وليس بالضرورة أن يكون صاحب الاستشارة لا يفقه شيئا في الموضوع، أو أن الاستشارة كائدة ولا يحلها غير ذلك المستشار، كما أنه ليس بالضرورة أن يكون المستشار هو صاحب المسمى في المؤسسة الحكومية أو الشركة بل الحقيقة هو صاحب القلب الذي يتلاقى في حبه واحترامه الشخص المستشير، وهو أمر في غاية الأهمية.

حبي لتبادل الحديث مع شخص ما قد يفتح المجال لطلب الاستشارة خصوصا في الأمور الخاصة كشراء سيارة أو أدوات منزلية أو أثاث، هذه الأمور وغيرها بالنسبة للأفراد تستطيع أن تخرج كما كبيرا من المستشارين بحيث يتقاطر إليك بعضهم من كل صوب مبدياً رأياً قد يخالف رأي مستشار سابق، وقد يتوافق معه بمضض بعد أن يراك تميل إليه، وتشعر وكأنك في معمل بيولوجي ومختبر آراء عليك التفضيل بينها.

المستشار عادة لا يأتي إليك ليُبدي رأيًا إداريًا أو مهنيًا معينًا؛ بل يسبقه صاحب الحاجة لكن في الأمور الاجتماعية يحدث ذلك وربما تتوافق أفكارك أيضًا مع هذا المستشار الفضولي حيث تبدأ معه حوارا جادا حول رأيه في مواضيع مختلفة، ولا بُد من الإشارة إلى نقطة هامة وهي أن المستشار الفضولي ليس بالضرورة أن يكون كذلك (أي فضوليا) بل رأى شيئا هاما ولديه رأي معين قد جربه قبل ذلك، ولحبه لك أراد إحاطتك به كأن تشتري البضاعة الفلانية بدلا من تلك التي سمع بعزمك شرائها، ويطرح أسبابا منطقية أحيانا أو لا ترضي الطموح.

المشكلة التي تحدث أن المستشار يخطئ في تقديره لموضوع معين، مثال أن تبدي رغبتك بشراء سيارة جديدة أو مستعملة (حسب إمكانياتك)، السيارة الجديدة ستكون بذات الطموح أو في غير ذات الطموح في أغلب الأحوال ولن تصادفك مشاكلها الميكانيكية أو التقنية في السنوات الأولى على الأقل، أما المستعملة التي خرجت من بين أيادي مستشار  الفحص سليمة معافاة ثم تكتشف لاحقاً أنها ضمن السيارات الغارقة في مياه السيول أو أنها لا تعمل بشكل جيِّد يوازي كمية المديح الذي أبداه ذلك المستشار فإن الأمر موقوف لتقدير العواطف، ومرهون بسمعة واهية تتيح لك النيل منها بعد فوات الأوان.

الأمر الأكثر حياءً عندما يكون مستشارك عمك أو خالك أو الأخ الأكبر، لا تستطيع هنا إبداء تصرفك المناهض أو حتى رأيك بحرية كبيرة، ولأن المجتمع صغير فلن تستطيع أيضا تحذير غيرك من استشارتهم، على الأقل ستجد صعوبة للحديث عنهم بسلبية، بل ستكون مصدر شك للآخرين وليس العكس.

هذه مشكلة اجتماعية عميقة، وليس موضوع السيارة هو الأساس؛ بل هو إشارة أو نموذج من إغداق اللوم على أنفسنا متدثرين بلوم داخلي لآخرين، وهو ذات الأمر الذي يحدث في حياتنا بشكل عام، وهنا استغرب من عدم إلمام البعض بمواضيع بسيطة قادرة على استيعاب ما نريد، خصوصا وأن الفضاء يتيح لنا ذلك؛ فمصادر المعلومات أصبحت متيسرة وبين أيدينا، وهو ذات الأمر الذي يحيلنا إلى أهمية امتلاك المعلومة، على الأقل الخاصة بي ثم لا بأس من الاستشارة بشرط أن أملك المعلومة وأستطيع النقاش وربما الفوز في الحوار والمناقشة.

هذا لا يعني أن الاستشارة غير مطلوبة واختيار المستشار غير مطلوب بل على العكس فربما هناك مغاليق قد لا أراها من خلال معلوماتي المفتوحة وقد يرى هو بشكل أوسع لأنني داخل الدائرة بينما هو ينظر من الأعلى.

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة