سليمان المجيني
لكل شيء نمرُّ به في هذه الحياة "عنوان" يشدنا أو يُسهم في ابتعادنا عنه، وعنوان الدراسات العلمية جزء مما ذكرت، لأنها الأساس الذي سوف يمضي الباحث على أثره لتحقيقه وبحيث يكون متوافقا مع الهدف والتساؤلات التي تفرضها الدراسة.
وكوني أكتب هنا عن صديق فقد أجامله في دراسته التي قام بها لنيل درجة الماجستير هذا العام، والحقيقة أنَّ هذا أمر وارد ولكني سأحاول تمقيل الدراسة (جعلها مقالًا) بشكل موضوعي من خلال أهدافها وما حققته من نتائج قد تسهم في الشكل والمضمون الإداري للمؤسسات الحكومية وحتى الخاصة، وعليه يحق لي توجيه المعنيين للاهتمام بها كونها الدراسة الأولى في السلطنة- حسب الباحث- التي تبحث أثر الاتصال الفعَّال على جودة أداء الموظفين في جهة حكومية.
كم نحتاج إلى فتح الدراسات التي قام بها موظفو الجهات المختلفة وتنفيذ ما يمكن تنفيذه منها بشكل عام داخل جدران المؤسسة وتعميم الفائدة على المؤسسات الأخرى، أو على الأقل تنفيذ ورش عمل حولها ليتعرف عليها بقية الموظفين؛ سواءً في تلك المؤسسة أو المؤسسات الأخرى، منها التشجيع على البحث ونشر المعرفة القائمة على البحث العلمي وليس المعرفة العشوائية التي نسمعها ونشاهدها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ومنها تعظيم العمل البحثي وتشجيع الموظف صاحب الدراسة على الاستمرار في البحث والدراسة العلمية.
ما ينقص مؤسساتنا هو إدراك أهمية تعظيم هذا الجانب كونه الأجدر، ولأنه الأصوب في سير العمل؛ فكلما كان العمل علميا ومدروسا بالطرق العلمية، كلما كان متقناً وسيحالفه الاستمرار والاستدامة، أما الأعمال العشوائية فتمر علينا غير منظمة وبشكل عشوائي وسوف لن يستفاد منها شيئاً وسيخبو أثرها بعد انتهائها مباشرة لأنها خبط عشواء، ولا يمكن وصف مقدار المشاريع التي تم الإعلان عنها وخسرت فيها الصحف الجهد والأحبار، والإنسان الأفكار والتأمل والفخر حتى نُفاجأ بتبخر هذه المشاريع والسكوت عنها والسبب هو عدم التخطيط أو نقصه وهي كلها تصب في خانة "عدم العلمية" ونقص هرمون الاتصال الفعَّال.
تهدف دراسة الباحث علي السالمي إلى قياس أثر الاتصال الفعّال على جودة أداء الموظفين في هيئة تنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وأقرأ الاتصال الفعَّال على أنه بين الموظف والمسؤول والموظف وزميله والموظف وصاحب الخدمة وأيضًا المسؤول والمسؤول، هي رسائل تنقل بين أطراف مختلفة بغية تقديم خدمة معينة للجمهور؛ فيتحدد صداها وأثرها، رصانتها وجديتها من خلال هذا الاتصال الذي يتلاقى أيضًا مع التعاون وجدية الحوار والنقاش ورغبة الفريقين في إتمام الخدمة أو المشروع، وحتى أثره على تعامل الموظفين مع بعضهم لتعظيم الخدمة الشاملة والدقيقة وتوفير الوقت والجهد.
تكونت عينة الدراسة التي حددها صاحبي من 140 موظفًا (ليته كان عددًا أكبر ليشمل المستفيدين من الخدمة)، اشتملت على مُتغيرات المكان والاتصال الفعَّال، وعلى أداء الموظفين وهي تقريبا كل ما يشمل فعالية الاتصال من عدم فعاليته على أداء المؤسسة نفسها، إذا ما علمنا أن الموقع الإلكتروني للمؤسسة يُشير إلى أن الاستراتيجية العامة لهيئة تنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة (نموذج الدراسة) تنسجم مع رؤية "عُمان 2040" حتى تستطيع هذه المؤسسات إحداث فرق والإسهام في الناتج المحلي وتعزيز الصادرات والقدرة التنافسية، والحقيقة أن الدراسة أوصت بأهمية أن تتواءم أوجه الاتصال الفعال مع الرؤية وهو أمر في غاية الأهمية.
ولأنَّ هدف الهيئة توفير بيئة تنظيمية مشجعة فإنَّ هدف الدراسة تماشى مع هدف الهيئة، ولأنها تعلي من شأن البرامج المبتكرة فهي في حاجة ماسة لخطوات علمية تدعم هذا التوجه وتغذيه بمزيد من فرص الاستمرار والديمومة من خلال التطوير والنمو والانتشار والاستقلال المادي وتعزيز التنافسية وغيرها من الممكنات المهمة.
ولأنَّ البحث علميٌ، فإن النتائج تحاكي هذا الجهد المبذول؛ حيث خلُصت الدراسة إلى أنَّ الاتصال الفعال في الهيئة يمارس بشكل جيِّد، وهو جل ما نطمح إليه من هذه الدراسة وغيرها، وهو دليل أيضًا على اهتمام الإدارات العليا بالعلاقة الناشئة بين موظفيها في أي مؤسسة، الشيء الذي انعكس على تيسير الخدمات وتبسيطها على صاحب الخدمة، وهو ما نرجوه في مؤسساتنا جميعها؛ فتسهيل تقديم الخدمة والعمل بشكل علمي منظم يؤدي إلى رضا المستفيد من تلك الخدمة، وحتى مبرراتنا تأخذ منحى علميًا.