تحديات تعميم تجربة "أسود الأطلس" المونديالية في الدول العربية

التركيبة السكانية وحسن إدارة ملف كرة القدم من عوامل نجاح "أسود الأطلس"

◄ الجزائر وتونس الأقرب للسير في نفس النهج يليهما مصر.. وصعوبة التطبيق في الدول الخليجية

◄ أكاديمية محمد السادس لعبت دورا كبيرا في تطوير المواهب

◄ الانفتاح على الدول الأوروبية ساهم في تكوين شخصيات اللاعبين

الرؤية- وليد الخفيف

بعد بلوغ المنتخب المغربي نصف نهائي كأس العالم قطر 2022، أضحت التجربة المغربية محل دراسة وتحليل، لا سيما من الاتحادات العربية التي تأمل في تكرار أكبر إنجاز حققته الكرة العربية والأفريقية في تاريخها، بعدما وضع المنتخب المغربي المنتخبات العربية في حرج حين أصبح من الأربعة الكبار في العالم، فهناك منتخبات تتأهل بالكاد لكأس العالم وتصف تأهلها بالإنجاز الكبير، ليبدد أسود الأطلس تلك المزاعم بنتائج رائعة، وفنيات عالية.

ولم تسجل المنتخبات العربية في النسخ الـ21 الماضية سوى 61 هدفًا وهي حصيلة ضئيلة مقارنة بعدد منتخبات عرب آسيا وأفريقيا ومستوى الإنفاق على هذا الملف الذي تولي له الحكومات العربية اهتماما كبيرا وتكرس له موازنات واسعة. ووصف مراقبون بلوغ المغرب نصف نهائي المونديال بالإنجاز التاريخي الذي بدد القاعدة التي تقول إن أوروبا محور كرة القدم، فالمنتخب العربي الذي تصدر المجموعة على حساب كرواتيا وصيف بطل النسخة الماضية وبلجيكا المصنف الثاني عالميا وصاحب المركز الثالث 2018 فضلا عن كندا، وبعد إقصاء أسبانيا بطل 2010 والبرتغال بطل أوروبا 2016، حقق نجاحا يجب الوقوف عنده ودراسته وتحليله.

وقد يتناسب تطبيق التجربة المغربية في بعض الدول العربية ولا يتناسب مع دول أخرى لعدة أسباب، أولها التركيبة السكانية وعدد السكان ومستوى المواهب وحسن إدارة ملف كرة القدم بمعايير الجودة التي تتفق مع الفيفا من قبل الاتحاد الوطني. وتعد دولتا الجزائر وتونس الأكثر انسجاما لتطبيق التجربة المغربية وتحقيق نتائج جيدة، يأتي بعدهما مصر، في المقابل يصعب تطبيق التجربة على دول الخليج العربي.

ونجحت التجربة المغربية لعدة أسباب، أولها تأسيس أكاديمية محمد السادس بمعايير عالمية تضمن جودة المخرجات، حيث دشن العمل بها بدعم من ملك المملكة المغربية بلغ 140 مليون درهم مغربي، وحقق المشروع الذي افتتح عدة فروع في مختلف المدن المغربية نجاحا كبيرا، وضم منشآت تعليمية وثقافية وصحية ورياضية. وطبقت الأكاديمية معايير الجودة الفنية المعمول بها في الفيفا عبر ربط البرنامج الفني بخبراء الاتحاد الدولي الفيفا، وكان من مخرجات الأكاديمية لاعب نادي أنجيه الفرنسي عز الدين أوناحي، فهو ثمرة تكوين مغربي خالص، إذ انضم إلى أكاديمية محمد السادس لكرة القدم سنة 2015، وتلقى فيها التدريب حتى عام 2018 وهو تاريخ انتقاله للاحتراف في نادي ستراسبورغ الفرنسي، ومنه إلى نادي يو إس أفرانش سنة 2020، ليوقّع العام الجاري مع نادي أنجيه الفرنسي.

والتحق مهاجم أسود الأطلس يوسف النصيري بهذه الأكاديمية سنة 2011 قادمًا إليها من نادي المغرب الفاسي، واستمر فيها إلى سنة 2015 وهي السنة التي تعاقد فيها مع نادي ملقا الأسباني، ومنه انتقل إلى ليجانيس سنة 2018، ثم إشبيلية سنة 2020، وظهر بأداء مميز ومستوى تهديفي لافت، إذ أصبح أول لاعب مغربي يسجل في نسختين متتاليتين من المونديال، والهداف التاريخي للمغرب في المونديال بثلاثة أهداف بنسختي 2018 و2022.

وواصلت أكاديمية محمد السادس عطاءها السخي، فخرّجت المدافع نايف أكرد الذي انضم إليها قادما من النادي القنيطري سنة 2011 ليغادرها سنة 2014 نحو نادي الفتح الرباطي، وبعدها انتقل إلى نادي ديجون سنة 2018 وقضى معه موسمين قبل أن يغادره نحو نادي رين في موسم 2020، ويلعب حاليًا مع نادي وست هام يونايتد في الدوري الإنجليزي الممتاز.

أما رابع خريجي الأكاديمية ضمن عناصر المنتخب الوطني، فهو الحارس الثالث للمنتخب وحارس الوداد البيضاوي والمنتخب المغربي للمحليين أحمد رضا التكناوتي. كما لعبت الأكاديمية دور الوسيط في انتقال اللاعبين المتميزين منها إلى الأندية الأوروبية.

ولم تكن أكاديمية محمد السادس وحدها السبب المباشر في بناء منتخب عالمي قهر كبار منتخبات أوروبا ووقف ندا قويًا أمام فرنسا حامل اللقب في نصف نهائي المونديال، فالتركيبة السكانية لعبت دورا مهما في ذلك، حيث يعيش مواطنون مغاربة بأعداد كبيرة في فرنسا وأسبانيا نظرا لعامل اللغة والانفتاح الثقافي والقرب الجغرافي، لذلك فهناك لاعبون ولدوا في تلك الدول واستفادوا من مدارس التكوين عالية المستوى قبل الانتقال من أكاديميات التكوين إلى الأندية لتبدأ خطوة جديدة رسخت قاعدتها بمعايير عالمية تضمن للاعب المشاركة في منافسات المستوى العالي.

ويعد أشرف حكيمي الظهير الأيمن للمنتخب المغربي ونادي باريس سان جيرمان نموذجًا للاعب الذي تكون في أسبانيا، حيث ولد في 4 نوفمبر 1998 في مدريد وترعرع وسط أسرة مغربية الأب من مدينة وادي زم والأم من القصر الكبير، حيث هاجرا قبل وقت طويل إلى أسبانيا واستقرا هناك، وبالتالي فقد كانت نشأة أشرف طبيعية وفي وسط عائلة مغربية بنكهة أسبانية، ورغم الظروف الصعبة التي واجهتها عائلته إلا أنه عشق كرة القدم، فعند سن السادسة انضم أشرف حكيمي إلى نادي ديبور تيفو كولونيا دي أوفيجيفي المحلي في مدريد، وظهرت موهبته الفذة التي خطفت أنظار الكشافين، وجعلته يصنع الحدث في ظرف زمني قصير، ورغم إصرار والده على أن كرة القدم ليست السبيل المُناسب لتحقيق حياة أفضل، إلا أنه اقتنع أخيرا أن ابنه يملك موهبة قد يذهب بها بعيدا، ويصبح من أفضل اللاعبين في العالم يومًا ما، وهو ما حصل بالفعل بعد 16 عاما.

وعندما بلغ أشرف سن 8 سنوات، انضم إلى مدرسة ريال مدريد نادي القرن وأشهر الأندية الأسبانية والعالمية وأكثرها نجاحا، حيث تدرج بين الفئات الشبابية للأكاديمية وقضى فيها 9 سنوات كاملة وواصل حتى أضحى الظهير الأيمن لباريس سان جيرمان الفرنسي.

وتبدو تونس والجزائر الأقرب لتطبيق التجربة المغربية نظرا لعدة عوامل منها وجود جاليات كبيرة منهم في أوروبا فضلا عن اللغة والتقارب الثقافي والجغرافي. في المقابل تبدو التجربة صعبة التطبيق في الدول الخليجية، فلا توجد جاليات خليجية في أوروبا فضلا عن قلة عدد السكان وعدم وجود نقاط التقاء بين الثقافة الخليجية والأوروبية.

ولا يمكن للمسابقات المحلية في الدول العربية أن تصل مخرجاتها لهذا الحد من الجودة، فالدوري السعودي هو الأقوى في المنطقة العربية فضلا عن تربع الأندية السعودية على عرش القارة مثل الهلال زعيم آسيا، وكذلك الحال في الإمارات العربية المتحدة فتلك المخرجات لم تصل لحد الجودة العالمية، ولا يعتزم اللاعب الخليجي طرق أبواب الاحتراف نظرا لارتفاع قيم العقود المالية للاعبين السعوديين والإماراتيين والقطريين في بلدهم.

ويمكن لمصر أن تستفيد بجانب من التجربة المغربية نظرا لزيادة عدد السكان الذي يتجاوز 100 مليون مواطن، فضلا عن وجود جاليات مصرية تعيش في أوروبا، إلا أن المردود يبدو ضعيفا مقارنة بالعدد الكبير. ورغم تربع الأهلي المصري على عرش الأندية الأفريقية والزمالك بخمسة ألقاب قارية، تزامنا مع إنفاق كبير واهتمام أكبر من الدولة بملف كرة القدم، إلا أن المخرجات لم تصل إلى حد الجودة العالمية، فلم تصل مصر للمونديال في النسخة التي استضافتها قطر، في إشارة إلى أن المسابقات المحلية والإنجازات القارية للأندية ليست ضامنة لتحقيق أهداف بحجم كأس العالم، بقدر ما يضمنه التكوين في مدارس وأكاديميات احترافية في أوروبا، بالإضافة إلى تفوق العمل الإداري والفني في أكاديمية محمد السادس على معظم أكاديميات الوطن العربي التي تعد ربحية بشكل أكبر وفي بعض الدول مثل مصر.

 

 

 

 

تعليق عبر الفيس بوك