د. محمد بن عوض المشيخي **
الإعلام هو النَّافذة الصادقة والمرآة العاكسة التي تُعبِّر عن هموم المواطن وطموحات المُستقبل الزاهر الذي يطمح إليه كل عُماني وعُمانية على هذه الأرض الطيبة، فعندما يغيب أو يُغيَّب دور الإعلام ورسالته السامية، تختلُ الموازين وينشط الانتهازيون وأصحاب المصالح الشخصية الضيقة على حساب الوطن، ويتزايد الإضرار بالمال العام وتتعثر المشاريع التنموية، ويظهر الإقطاعيون وأصحاب الغنائم والثراء الفاحش والقصور المنيفة التي وُجدت دون وجه حق، بعيدًا عن عيون الرقابة أو المعايير التي تُطبَّق في معظم الدول العالم مثل النزاهة والمحاسبة، وذلك من خلال مبدأ معروف وسؤال شائع ومنطقي: "من أين لك هذا؟" فثروات الأوطان والأموال العامة يجب أن تكون في مأمنٍ من أصحاب النفوس الضعيفة من المتنفذين لأنها ملك للشعب.
والإعلام الحر الذي يعتمد على الصدق والتوازن والموضوعية والدقة هو الذي يجب أن يُقدَّس ويُحتَرَم وتُتاح له الفرصة للعمل دون قيود أو "حراس بوابات"؛ فالصحفي الذي ينقل الحقائق للمجتمع وكاتب الرأي الذي يُعبِّر عن هموم المواطن البسيط ويعمل كقنوات مفتوحة ويبني جسور الشراكة بين المجتمع وبين صناع القرار، بهدف توجيه بوصلة العمل الوطني نحو الرقي لتحقيق أهداف الوطن.. هذا النوع من الإعلام هو الذي يجب أن يحظى بالتشجيع، وهذا النوع من العمل الصحفي هو الذي يجب أن نُشيد به جميعًا لأنه يعمل من أجل صالح الدولة والمجتمع.
لقد تابعنا خلال الأيام الماضية عبر وسائل الإعلام التقليدية والرقمية والتي تعمل كهمزة وصل بين الحكومة والمجتمع، الاجتماعات واللقاءات المُهمة التي جمعت جلالة السلطان المفدى- حفظه الله ورعاه- برئيس وأعضاء مكتب الدولة، وما دار من نقاشات جادة تصب في مصلحة الارتقاء بهذا الوطن، خاصة الدراسات العلمية التي ينفذها المجلس وأشاد بها جلالة السلطان وأهميتها في هذه المرحلة المهمة من تاريخ عُمان. كما إن هذه اللقاءات تعد نافذة وعينًا ثالثة على المجتمع، خاصة وأن اللقاءات السامية متواصلة، وآخرها اللقاء الذي عقده جلالته مع رئيس وأعضاء مكتب مجلس الشورى، الذين يمثلون المجتمع العماني كونهم وصلوا إلى مجلس الشورى بالانتخاب المُباشر من الشعب.
إنَّ أجمل ما نما إلى علمنا وأسعدنا جميعًا نحن أسرة كتاب الرأي في الصحافة العُمانية وعلى وجه الخصوص جريدة "الرؤية"، الإشادة السامية بمحتوى صفحة الرأي ومقالات كُتاب الرأي في جريدة الرؤية التي يُشار إليها بالبنان على المستوى الوطني؛ بل والخليجي؛ كونها تحتضن معظم الأقلام العمانية وتشجعهم على الالتزام بالكتابة المسؤولة والرصينة بعيدًا عن نهج صحافة الإثارة التي لا همَّ لها سوى الخوض في الحياة الخاصة للأفراد وشخصنة القضايا أو مُخاطبة الغرائز، عوضًا عن تنوير الناس وتحليل الوقائع وكشفها للجمهور، والحمدلله أن هذا النوع من الصحافة غير موجود في سلطنة عُمان.
إنها بشائر وأسرار ما لم يُنشر من هذه اللقاءات التاريخية المباركة والسنة الحميدة التي سنتها القيادة الحكيمة لهذا البلد العزيز والمتمثلة في هذه الاجتماعات مع أعضاء مجلس عُمان بغرفتيه؛ فمن روائع سلطان الحكمة والفكر جلالة السلطان هيثم، مُتابعته الشخصية لما يكتب في الصحافة العمانية، ووسائل التواصل الاجتماعي وما تحمله من مضامين، وعلى وجه الخصوص صفحات الرأي التي تزخر يوميًا بعصارة فكر الكتاب والأدباء في بلادنا الحبيبة. وقد علمتُ أنَّ جلالة السلطان أبدى تقديره لهذه المقالات حتى وإن كانت بعض الكتابات تتسم بالعجلة والحماس الزائدين، لكن جلالته- في نفس الوقت- يُؤمن بحرية التعبير والرأي الآخر لكل إنسان وإن كان هناك اختلاف في وجهات النظر، فتلك سنة الحياة. وتعدد الآراء يساهم في اتضاح الأمور وانكشاف الحقائق؛ وتبنى الاستراتيجيات وتتحقق الطموحات الواعدة للوطن.
لا شك أن حرص جلالة السلطان على المتابعة اليومية لوسائل الإعلام، ووسائل التواصل الاجتماعي، يمثل ميزة ينفرد بها القائد المفدى عن غيره من الحكام؛ الذين يعتمدون على التقارير والملخصات والنشرات الخاصة التي يتم إعدادها من الأجهزة المختصة، فعادة ما تخضع تلك التقارير للتنقيح والتعديل من "حُراس البوابات الإعلامية" في وطننا العربي الكبير من المحيط إلى الخليج دون استثناء، وذلك لكي يتم تصوير أحوال المجتمع على أن "كل شيء على ما يرام"؛ بينما يتم حجب القضايا الكبرى للمواطنين ومعاناتهم، والحيلولة دون وصولها إلى ولي الأمر.
إنَّ واجب الإعلام ووظائفه المتعددة في هذا البلد العزيز يتجلى في أجمل صوره في الإذاعات الخاصة التي تفانت في خدمة الوطن ونقل هموم المواطن عبر أثيرها وشاشاتها على اليوتيوب ووسائل التواصل الاجتماعي، خاصة في أوقات الذروة في فترتي الظهيرة والصباح، فصوت المواطن يكون حاضرًا على الدوام في تلك الإذاعات التي نثمن ونقدر الكوادر الإعلامية فيها، فهي تعمل بحرفية إعلامية عالية وبجهود مضاعفة لنقل مُعاناة أبناء عمان والتحدث باسمهم مع المسؤولين والمختصين بالشأن العام خاصة في المجالات: الاقتصادية والصحية والاجتماعية.
وفي الختام.. يجب تذكير جميع المسؤولين والعاملين في القطاعين العام والخاص بأن عليهم واجبات تجاه الوطن والمواطن؛ فالتميز في تقديم الخدمة واعتماد سياسة الأبواب المفتوحة للجميع أصبح من أبرز سمات الدول الناجحة وأيضًا رضا المراجعين والمستفيدين من الخدمات في تلك المؤسسات الوطنية.
** أكاديمي وباحث مختص في الرأي العام والاتصال الجماهيري