القمة الخليجية الصينية

 

خلفان الطوقي

 

انتهت القمة الخليجية الصينية في العاصمة السعودية الرياض، وقد سبقها بيوم واحد القمة السعودية الصينية، ولحقتها القمة العربية الصينية، ومن ثم القمة الخليجية في دورتها الـ43، أسبوع ثري ودسم من الأعمال تشهده الرياض، ولا يمكن أن تستوعب ما يحدث، إلا أن تتسمر لمشاهدة الشاشة وكافة القنوات الإخبارية لحظة بلحظة لتتمكن من استيعاب ما يدور في بعض هذه القمم التي تعقد لأول مرة.

مشاركة الصين مع الدول الخليجية والعربية لها دلالات سياسية أهمها: أن الصين حاضرة وموجودة في الشرق الأوسط كقوة عظمى، وأنها تؤمن بتعدد القوى، وأنها شريك استراتيجي موثوق به، ويمكن لها الاستفادة من أي فراغ أمريكي أو أوروبي، أما بالنسبة لدول الخليج فهناك رسائل سياسية مضمونها أن المصلحة العليا للخليج تقتضي أن يكون لها شركاء استراتيجيين في الشرق والغرب، وأن الخليج سوف يسعى لتنويع علاقاته الدولية بما يتوافق مع المتغيرات الجيوسياسية، فقرب الخليج من أمريكا وأوروبا لا يعني البعد والجفاء مع الصين، والعكس كذلك، وعلى جميع الدول فهم هذه الثوابت.

أما فيما يتعلق بالجانب الاقتصادي، فهناك مصالح مشتركة تربط الخليج والعرب مع الصين، فالصين تعتبر السوق العربي ضخم به أكثر من 420 مليون نسمة، ومعظم استهلاكهم من المنتجات الصينية وبأسعار تنافسية، وكما هو معلوم أن الصين تعتبر أكبر مستورد للنفط والغاز من دول الخليج العربي، وقد وقع قبل عدة أيام مع دولة قطر تصدير 4 ملايين طن من الغاز الطبيعي المسال القطري إلى الصين ولمدة طويلة تمتد إلى 27 عامًا تبدأ في عام 2026، أضف إلى ذلك المشروع الصيني الأول طريق الحرير من خلال الحلم الصيني والمبادرة الطموحة (الحزام والطريق) الذي يضم حوالي 65 دولة حول العالم من ضمنها دول الخليج العربي، وأخيرا فإن الصين ترغب في تعزيز تواجدها الاقتصادي والاستفادة من الفرص الاستثمارية الطموحة في المدينة العصرية "نيوم"، وغيرها من المشاريع العربية كمحور السويس في مصر، وغيرها من المشاريع العملاقة في المنطقة وخاصة التجارة الإلكترونية والاستثمار المالي والبنية التحتية الأساسية، وتقنية الجيل الخامس والسادس، والشبكات الكهربائية الذكية، وإيجاد حلفاء جدد لدخول بورصة شنجهاي لمصادر الطاقة، وإيجاد بديل للمعاملات والمدفوعات المالية "سويفت" وإضافة نظام إضافي آخر تحسبا لأي طارئ في المستقبل.

في المقابل.. يمكن للخليج الاستفادة من الشريك التجاري الصيني الذي يعتبر الشريك الأول، ويكون ذلك من خلال ضمان استمرارية تدفق السهل والآمن من مصادر الطاقة وخاصة النفط والغاز إلى السوق الاستهلاكي العملاق، وأيضا تصدير المنتجات غير النفطية لأكثر من من مليار و400 مليون نسمة، وتوقيع اتفاقيات الإعفاء الجمركي المشترك، وأيضا تفعيل الاستثمار من خلال الصناديق السيادية في مجالات الأمن الغذائي والطاقة النظيفة والطاقة النووية للأغراض السلمية وإنشاء منطقة خليجية صينية حرة، وغيرها من المشاريع التي تمكن الخليج ولو بشكل تدريجي من التنويع الاقتصادي.

إنَّ الشراكة الخليجية الصينية لم تعد خيارًا؛ بل مطلبًا استراتيجيًا ملحًا لضمان سلامة وأمن الطاقة وأمن سلاسل الإمداد من خلال خطوط الملاحة العالمية، وأن تحقق ما اتفق عليه الجانب الخليجي والصيني من مشاريع في هذه القمة، سيكون "علامة فارقة" في تاريخ العلاقات الخليجية الصينية، وسوف تمتد لتشمل صلابة العلاقات الدبلوماسية والأمنية والثقافية.