اليوم الدولي لمكافحة الفساد

أ. د. راشد بن حمد البلوشي **

 

يحتفلُ العالم سنويًا بيوم مكافحة الفساد العالمي الذي يوافق التاسع من ديسمبر من كل عام، وهو اليوم الذي اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة في 31 ديسمبر 2003، وفق اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد.

وقد تم تكليف مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة بتولي مهام أمانة مؤتمر الدول الأطراف المشاركة في الاتفاقية. ويأتي الاحتفال بهذا اليوم من أجل إذكاء الوعي بمشكلة الفساد العالمي، وتعزيز دور الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد التي دخلت حيز التنفيذ في ديسمبر 2005 من حيث زيادة المعارف المتعلقة بمنع الفساد وتعميم المعرفة بها تنفيذا للفقرة (ب) من المادة 6 من الاتفاقية.

سلطنة عُمان انضمت إلى اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد بموجب المرسوم السلطاني رقم ٦٤/ ٢٠١٣ المنشور في الجريدة الرسمية العدد رقم 1035 الصادر في 24/ 11/ 2013، إلا أن السلطنة لديها تحفظ واحد على الاتفاقية يتعلق بالفقرة (2) من المادة (66) من الاتفاقية والمتعلقة بالنزاعات التي تقع بشأن تفسير الاتفاقية أو تطبيقها، وتتعذر تسويته عن طريق التفاوض.  
وكما هو معروف فإنه لا توجد جريمة تسمى "الفساد"، ولكن الفساد هو مفهوم يدخل ضمنه العديد من الصور الإجرامية، كما أنه لا يوجد تعريف متفق عليه للفساد. وعرّفت منظمة الشفافية الدولية الفساد بأنه: "إساءة استعمال السلطة الموكلة لتحقيق مكاسب خاصة"، كما عرّفه البنك الدولي بأنه "سوء استغلال السلطة العامة من أجل الحصول على مكاسب شخصية".
وفيما يتعلق بأسباب الفساد فهي متعددة؛ إذ قد تكون أسباب اجتماعية واقتصادية، مثل اهتزاز وعدم ترسخ القيم المجتمعية التي تحض علي الخير وتنهى عن الشر، وكذلك التوزيع غير العادل للثروة بين أفراد المجتمع، بالإضافة إلى تفشي الثالوث المدمر (الفقر والجهل والمرض)، وانتشار العديد من الموروثات الاجتماعية الخاطئة مثل النسب والقرابة، وأخيرًا قد يكون السبب في ضعف الرواتب والمعاشات التي لا تصل بالموظف أو العامل لمستويات العيش الكريم.
وإضافة إلى الأسباب الاجتماعية والاقتصادية، هناك أسبابٌ للفساد تتعلق بالمؤسسات الحكومية والقرارات السياسية، مثل: انعدام الشفافية الحكومية، وعدم تفعيل أنظمة ووسائل المحاسبة على العاملين في القطاعين العام والخاص، والمحاباة وعدم الصدق والموضوعية في التقييم المهني والوظيفي للموظفين العاملين في الدولة، بجانب طغيان وتدخل السلطة التنفيذية في السلطة القضائية وتأثيرها على عمل القضاء. وقد يلعب عامل عدم استقلالية أجهزة الرقابة في الدولة وضعفها، أو عدم وجودها أصلاً دوراً أساسياً في انتشار الفساد. وأخيراً قد تكون أسباب الفساد قانونية كغياب أو ضعف أو نقص في المنظومة القانونية في الدولة، وغياب التشريعات التي تواجه الفساد وتعاقب مرتكبيه.

وللفساد أشكال وفئات مختلفة،  فهناك جرائم الفساد في القطاع العام وهي تلك الجرائم التي تُرتكب من قبل موظف عمومي أو تقع على موظف عمومي، سواء أكان ذلك الموظف مواطنًا أم أجنبيًا، و من أهم صورها  "جريمة رشوة الموظفين العموميين المواطنين أو الأجانب"؛ حيث تتمثل صورها في وعد موظف عمومي بمزية غير مستحقة أو عرضها عليه أو منحه إياها بشكل مباشر أو غير مباشر؛ سواء لصالح الموظف نفسه أو لصالح شخص أو كيان آخر بهدف أن يقوم ذلك الموظف بفعل ما أو يمتنع عن القيام بفعل ما لدى أداء واجباته الرسمية، أو التماس موظف عمومي أو قبوله، بشكل مباشر أو غير مباشر بمزية غير مستحقة، سواء لصالح الموظف نفسه أو لصالح شخص أم كيان آخر.
وإلى جانب جريمة الرشوة هناك "جريمة العبث بالممتلكات العامة" باختلاسها أو تبديدها أو تسريبها كقيام موظف عمومي عمداً، لصالحه أو لصالح شخص أو كيان آخر، باختلاس أو تبديد أية ممتلكات أو أموال أو أوراق مالية عمومية أو خصوصية أو أي أشياء أخرى ذات قيمة عهد بها إليه بحكم موقعه، أو تسريبها بشكل أو بآخر.

ولكي تكون التعابير أكثر دقة فقد عمدت الاتفاقية إلى تعريف الممتلكات في المادة (2 الفقرة د) على أنها: الموجودات بكل أنواعها، سواء أكانت مادية أم غير مادية، منقولة أم غير منقولة، ملموسة أم غير ملموسة، والمستندات أو الصكوك القانونية التي تثبت ملكية تلك الموجودات .
ومن بين أشكال جرائم الفساد أيضا "جريمة المتاجرة بالنفوذ" المتمثلة في وعد موظف عمومي أو أي شخص آخر بأي مزية غير مستحقة أو عرضها عليه أو منحه إياها، بشكل مباشر أو غير مباشر، بهدف الحصول على مزيّة غير مستحقة لصالح المحرّض الأصلي على ذلك الفعل أو لصالح أي شخص آخر، أو قيام موظف عمومي أو أي شخص آخر، بشكل مباشر أو غير مباشر، بالتماس أو قبول أي مزية غير مستحقة لصالحه هو أو لصالح شخص آخر، وهذا النوع من الإجرام يتم بأن يقوم أي شخص بتقديم وعدًا بمنفعة، أيًا كان نوعها، بالتلميح أو بالتصريح لموظف عام، ليدفع ذلك الموظف لاستغلال نفوذه لتحقيق مكسب معين لمن قدم الوعد، أو بقيام ذلك الموظف بطلب أو قبول منفعة، أيًا كان نوعها، بالتلميح أو بالتصريح، للقيام باستغلال نفوذه لتحقيق مصلحة لمن طلب المنفعة منه.  
كما أوردت الاتفاقية "جريمة إساءة استغلال الوظائف" المتمثلة في تعمد موظف عمومي إساءة استغلال وظيفته أو موقعه؛ أي قيامه أو عدم قيامه بفعل ما لدى الاضطلاع بوظائفه، بغرض الحصول على مزية غير مستحقة لصالحه هو أو لصالح شخص أو كيان آخر، مما يشكل انتهاكا للقوانين، وهذه الصورة من الجرائم تختلف عن صور الفساد التي سبقتها؛ حيث يهدف الموظف العام إلى تحقيق منافع سواء له أم لغيره، عن طريق استغلال وظيفته، ما كان ليحصل عليها لولا الموقع الذي يعمل به والذي استغله لتحقيق هذه المنافع.
أخيرًا، من بين جرائم الفساد الأكثر انتشارًا تأتي جريمة "الإثراء غير المشروع"، حينما يعمد الموظف العام ومن خلال وظيفته للحصول على منافع مالية وعينية مختلفة، يجرّ من خلالها أموالًا طائلة ويثري ثراء فاحشًا لا يتناسب البتة مع مقدار الدخل الذي يجنيه من وظيفته، بحيث لا يكون قادرًا على تبرير أصول الممتلكات والحسابات المصرفية التي يمتلكها، والتي لا يمكن له أن يجمعها ولو عمل طوال عمره من الدخل الذي يأخذه بشكل شريف صحيح.

وجرائم الفساد لا تقتصر على القطاع العام (الحكومي)؛ بل هي موجودة في القطاع الخاص أيضا، وهذا ما تناولته الاتفاقية في المادة 12 والتي أوجبت على الدول الأطراف أن تتخذ وفقًا للمبادئ الأساسية لقانونها الداخلي، تدابيرَ لمنع ضلوع القطاع الخاص في الفساد، ولتعزيز معايير المحاسبة ومراجعة الحسابات في القطاع الخاص، وتفرض عند الاقتضاء عقوبات مدنية أو إدارية أو جنائية تكون فعالة ومتناسبة ورادعة على عدم الامتثال لهذه التدابير. ويتطلب ذلك اتباع الشركات لتنظيم اكثر دقة وصرامة يتوافق مع ويمتثل لقواعد منع الفساد وتطوير ثقافة أخلاقية حول معايير النزاهة والسلوك التجاري الأخلاقي.
ورغم أننا نؤمن بأنه ما من بلد محصن من الفساد، إلا أن الإرادة السياسية من اجل بناء مؤسسات قوية وشفافة، يمكن أن تحول دون تحقق الفساد ومن ثم القدرة على مكافحته.

وفي هذا المقام استشهدُ بما قاله حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- في خطابه التاريخي الذي ألقاه في تاريخ 22 فبراير 2020 عندما قال: "من أجل توفير الأسباب الداعمة  لتحقيق أهدافنا المستقبلية، فإننا عازمون على اتخاذ الإجراءات اللازمة لإعادة هيكلة الجهاز الإداري للدولة، وتحديث منظومة التشريعات والقوانين وآليات وبرامج العمل، وإعلاء قيمه ومبادئه وتبني أحدث أساليبه، وتبسيط الإجراءات وحوكمة الأداء والنزاهة والمساءلة والمحاسبة".

أستاذ القانون الجنائي بكلية الحقوق، جامعة السلطان قابوس
 

تعليق عبر الفيس بوك