استغاثات أصحاب الديون

 

 

خليفة بن عبيد المشايخي

khalifaalmashayiki@gmail.com

 

تتطوَّر البلدان وتزدهر، وتنمو ويكتمل فيها عطاء الإنسان ورخاؤه وراحته ونشاطه وقوته، إذا ما حققت الحكومات حقوق الفرد والجماعة، وإذا ما حققت لشعوبها العيش الكريم والأمن والأمان والاستقرار والوئام، وتغليب مبدأ المساواة في الحقوق والواجبات دون تمييز أو تحيز لطرف دون آخر، أو إهمال الضعيف والاعتداد بالقوي، أو تجاهل الفقير وتقديم الغني والثري والميسور وذو الجاه والمكانة الاجتماعية عليه.

وليس من الإخلاص والصدق في شيء، وكذلك الأمانة والنزاهة في العمل والمسؤولية والحرص والاهتمام والحب والود والمراعاة، أن لا تحب للغير ما تحبه لنفسك، أو عدم التفكر فيمن كلفك الله -جل جلاله- بمسؤوليتهم ورعايتهم والاهتمام بهم والعمل من أجلهم، في محيط الأسرة أو العمل أو الوطن.

ومن أقوال السلطان الخالد فينا السلطان قابوس بن سعيد -طيب الله ثراه: "الوظيفة تكليف ومسؤولية قبل أن تكون نفوذًا أو سلطة"، وهي أيضا لا يجب أن تكون سيفًا مسلطًا على رقاب العباد، أو أن تكون سبيلًا للتكبُّر والغطرسة والعنجهية والمباهاة، فكما قيل وينبغي أن يكون سيد القوم خادمهم، أي يقوم بخدمتهم ورعايتهم، وإنهاء مصالحهم وقضائها وتيسير أمورهم لا تعسيرها، وإنجاز مشاغلهم والقرب منهم. وعقب ذلك، سيستحق ذاك الإنسان الموظف الذي أصبح خادمًا للقوم من خلال ما قام به تجاه قومه ورعيته وأهله وناسه، ومن هم تحت إمرته، من خدمة وفعل طيب وجهود مشكورة وأعمال جليلة لهم. لذلك؛ وبما تقدم ذكره، وبما ظهر به من صفات طيبة وأخلاق حميدة، تمثلت في تعامله الراقي مع الناس وأخلاقه وأفعاله وأقواله وصدقه ووفائه معهم، وتواضعه لهم واهتمامه بهم، سيتربع لا محالة على عرش القلوب، وسيتنقل إلى إحساس النفوس ومشاعر البشر.

وحينما نقول ذلك، فإننا نقول أيضًا، ليس من الإيمان في شيء، أن تنام وجارك أو من تعرفه ذو فاقة وحاجة وجوعان أو به وصب ونصب وهمّ وغم، وأنت قادر على تفريج همه، وتنفيس كربه، ولو بالحركة من أجله إلى من يملك اليسر بعد الله، وإلى من يملك بعد الله -جل جلاله- القدرة على مساعدته وتفريج همه وتنفيس كربه وإخراجه من ضائقته ووضعه المزري الذي يعيشه وآل إليه.

كذلك قضاء حوائج العباد تكون أيضا في التحدث عن المحتاج، مع من لديه طلب المحتاج، ومع من هو قادر على تيسيير أمره ويحل مشكلته ويفرج همه بعد المولى عز وجل، والحبيب المصطفى -صلى الله عليه وسلم- قال: "لأن يمشي أحدكم في حاجة أخيه حتى تُقضى له، أفضل من الاعتكاف في مسجدي هذا شهرا"، ويقصد المسجد النبوي.

وباتفاق الأئمة وإجماع العلماء وكل ذي عقل ولب وفهم، وبمنطق القياس، فإنَّ خير الناس أنفعهم للناس، ولا شك في ذلك ولا يختلف عليه اثنان، وهذا الذي تقدَّم ذكره مُطَالب به الإنسان العادي البسيط، فكيف بذاك الذي اصطفاه الله جل جلاله واختاره، ليكون راعيا ومسؤولا عن رعية أيًّا كان عددها.

وهنا.. ما أود التطرق إليه في هذا المقال، هو أنه كثر في الآونة الأخيرة شكوى وتذمر البعض علنا من وضع معيشتهم، فانتشرت المقاطع المرئية المدلِّلة على ذلك، والتي يستغيث أصحابها وهم مواطنون بمؤسسات الدولة، ويكافحون من أجل مواجهة التحديات الاقتصادية.

كذلك ما أثارنا أكثر في تلك المقاطع، هو قرار بعض المحاكم ببيع منازل المُطالَبِين بمبالغ مالية من البنوك، والذين قَضَاياهم كانت منظورة في المحاكم وصدرت ضدها أحكام.

لسنا ضد أن تُرَد الحقوق لأصحابها، لكننا نريد مراعاة المديون من قبل طالب التنفيذ والحق.

من المؤسف أن نرى هذه المقاطع التي يظهر فيها عمانيون ستُباع بيوتهم بالمزاد العلني لمجرد أن عليه ديونًا، والميسورون وأصحاب الخير صامتون ربما ولا يحركون ساكنًا، وأن لا يكترث صاحب قرار التنفيذ لما قام به، وما ألحقه قراره وأمره من ضرر على أسرة المديون.

ومن خلال هذا المقال، أتوجه بمناشدتي إلى الجهات المعنية في مؤسسات الدولة، بأن يُراعوا أصحاب الديون، خاصة الذين تعرضوا للتسريح من وظائفهم، فلا جريرة عليهم، كل ما يطلبونه تأجيل السداد لحين الحصول على وظيفة جديدة، وإعادة جدولة ديونهم بصورة تُعِينهم على مصاعب الحياة، وأن يقف أصحاب الأيادي البيضاء بجانب المعسرين، من باب "من فَرَّج عن مؤمن كربة..."؛ فصون كرامة المواطن وحفظ ماء وجهه، والمحافظة عليها وعلى أسرته من التشتت والضباع، أمر جدير بأن يأتي ضمن أولويات المسؤولين.

تعليق عبر الفيس بوك