الأمة العربية تعيش مأساة نزع أعز شيئين في ضميرها.. فلسطين والحرية

الشاعر الأردني سمير القضاة لـ"الرؤية": مسقط أيقونة الحب والجمال.. والعُمانيون أنبل البشر وأكثرهم تواضعًا ومودة

◄ كتبتُ أول قصيدة في سن الحادية عشرة.. وأبي أول من حببني في لغة الضاد

◄ "هذا صباح آخر من دونها".. مرثية شخصية لكل من فقد حنان الأم

◄ عظماء الشعراء غرسوا بذرة الوعي في نفسي.. وروحي مليئة بنفحاتهم

◄ الشعر سبق الهندسة في حياتي.. وبناء المنشآت يتوازى مع البناء العمودي للقصائد

◄ وسائل التواصل الاجتماعي كرّست حالة من استسهال الكتابة

◄ نحتاج لنهضة شعرية عربية وإعادة الاعتبار لمكانة القريض

 

الرؤية- ناصر أبو عون

لا يخفي الشعراء مطلقًا مشاعرهم؛ بل يحرصون على إطلاق العنان لها لتمضي في طريقها المرسوم، فتصيب من تشاء وتبتعد عمن تشاء، ونظم الشعر من أصعب الملكات التي يمنحها الخالق للمرء، لكنه بمجرد امتلاكه لناصية القريض، تتحول اللغة بين يديه إلى عالم من السحر والإبداع.. هكذا رأيتُ الشاعر الأردني سمير القضاة، الذي رغم المآسي التي يحملها في قلبه كشاعر عربي لما تشهده الساحة الشعرية- وخاصة الغنائية منها- من تراجع وانحدار، إلا أنه ما زال يرى بصيص أمل لاستعادة مكانة "ديوان العرب"، ولما لا وهو الذي تعلّم هذا الفن بين دواوين المتنبي وأبي نواس والمعريّ، وفي بطون الشعراء المعاصرين أمثال شوقي ونزار وأمل دنقل وغيرهم كُثُر..

القضاة فتح قلبه لـ"الرؤية"، وأسهب في البوح الرقيق، عمّا يختلج نفسه من أفكار وتلطعات لمستقبل الشعر العربي، وعبّر بصدق المشاعر عن لحظة وقوعه في حب عُمان وأهلها، وحالة الهيام التي تُسيطر عليه عندما يترجل على شاطئ القرم برماله الذهبية، وعن علاقته بالعمانيين الذين وصفهم بـ"أنبل الناس الذين ما عاشرت قومًا أكثر طيبة وتواضعًا ومودة منهم"..

وإلى نص الحوار...

 

 

نبدأ من لحظة مفصلية في حياتك؛ أرخت لها في ديوانك "عرى" إدراك كنه الأبوة وولادة الشعر في قولك: "نفختَ في روحي لحنَ القصيدة، فرأيتُ وجهكَ في كل معنى.. ووعدتَني أن نظلَّ معًا، لنكملَ هذا السطرَ على صفحةِ العمر الجميل.. يا أبا سمير".

لقد كان لأبي اليد الأولى والطولى في تعلّقي باللغة العربية والشعر تحديدًا؛ حيث كان -رحمه الله- فصيح اللسان وخطيبًا يرتجل أجمل البيان وكم أنفقنا من الليالي ونحن نحفظ قصائد المتنبي وأحمد شوقي المطولات، ولم أره فرحًا بشيء كمثل فرحه يوم سمع مني أول مقطوعة شعرية من تأليفي، كنت لما أزل في الحادي عشر من عمري، وكانت عن الثلج الذي بدأ يتهاطل على تلال قريتنا.

 

 

 

كيف يعيش الشاعر سمير القضاة داخل المشهد الشعري العربي والعالمي؟ وماذا رآه في العاصمة العمانية مسقط فأسر وجدانه؟

ما زلت أعدّ نفسي شاعرًا يوائم بين الشعر العربي بطريقته التقليدية، وحمْل راية التجديد المعاصرة لكي يكون حاضرًا ومواكبًا لتطوّر الحياة البشرية بالعموم، فلم يعد الوقوف على الأطلال وتكريس الحبّ العذري واقعيًا ولا ممكنًا في ظلّ العولمة وثورة الاتصالات والمعلوماتية التي يعيشها كوكبنا، فلولا سهولة امتطاء الطائرة من عمّان إلى مسقط لما استطاع سمير الوصول إلى حبيبته بهذه السرعة. فكم أنا ممتنٌ لمسقط أنها عرّفتني على أيقونة الحب والجمال، وكم أنا ممتن لحبيبتي وقد سحبتني إلى شاطئ القرم الرائع لأرى بحركِ يا عُمان وأختلط بأنبل الناس الذين ما عاشرت قومًا أكثر طيبة وتواضعًا ومودة منهم.

 

 

 

في ديوانك "هذا صباح آخر من دونها" فسيفساء شعرية لا ترضخ للسائد والعرف الإبداعي؛ وجاء الديوان على شكل لوحة فريدة تتجلور فيها التفعيلة والعمودي والمحكية الدارجة والنثر.. هل تقصّدت ذلك؟ وما الفلسفة التي تتخفى وراءه؟

جاءت كل القصائد والنصوص التي ضمنتها في هذا الديوان على شكل يوميات ما بعد وفاة أمي؛ حيث كنت أنشرها أولًا بأول على صفحتي في (الفيسبوك). لقد كانت هذه السطور ملحمتي الذاتية مع الغياب والفقد، وأزعم بأنها المرثية الشخصية لكل الأبناء الذين فقدوا أمهاتهم، وبالمناسبة فإنني لم أكتب في حياتي قط شعرًا في اللهجة المحكية قبل ذلك.

 

 

 

التأثير والتأثر صنوان لا غنى عنهما لإخصاب تربة الإبداع.. وفي ديوان «ما أشهى طعم الحرية» سمتان باديتان؛ الأولى راية التمرد والرفض المرفوعة على أسوار جميع القصائد، والثانية هناك ظلال لمحمود درويش والمتنبي ونزار قباني.. هل هناك ثمة دوافع سياسية وراء هذا العمل؟

لو طالعنا تواريخ قصائد هذا الديوان للاحظنا أنها كُتبت -في أغلبها- قبل عشر سنوات من صدورها، وقد كان السبب في ذلك منع قصائدي السياسيّة من النشر؛ مما اضطرني لاحقًا لنشرها من دونها، وماذا ننتظر من شاب عربي يعيش مأساة هذه الأمّة التي سُلبت أعزّ شيئين في ضميرها وهما فلسطين والحرية. أمّا التأثّر بالشعراء الذين ذكرتهم أو حتى غيرهم فهو نابع من أنهم شكلوا لدينا كلنا بذرة الوعي على موسيقى الشعر ومراميه وليس من شاعر إلا وفي روحه نفحات من كل أعيان الشعر العربي الذين سبقوه.

 

 

 

أفلح ثلة من الشعراء العرب حينما ولجوا ميدان الشعر من بوابة العلوم التطبيقية والطبية وأنت واحد من هؤلاء؛ لاشتغالك بالهندسة المدنية؛ أيهما ألقى بظلاله على الآخر؟ وكيف توافق الاثنان للعيش في كنف رجل متمرد؟

أما الشعر فقد سبق الهندسة في مسار حياتي ولا أجد نفسي أولًا إلا شاعرًا فيما جاءت مهنة الهندسة والإنشاءات لكسب الرزق، ولكنّ في المعادلات الرياضية والهندسية شكلًا موازيًا لبناء القصائد خصوصًا العمودية منها، وقد يكون هذا التشابه عاملًا مساعدًا في ضبط إيقاع الأبيات وتكثيف المعنى والابتعاد عن فائض الكلام. وللحق فإنَّ على الرجل المتمرد أن يكون مكتفيًا من عمله ومهنته لكي لا يقع فريسة للتدجين والحاجة.

 

 

 

انتقالًا من ساحة الشعر إلى ميدان الرواية حيث احتلت مساحة واسعة من قارة الإبداع العالمية والعربية وفي المقابل مازالت أرض الشعر تتناقص من أطرافها: أولا- كيف ننقذ الشعر العربي من الانقراض ونمترس النوافذ المشرعة بالمجان في وجه الدخلاء الآتين من الأبواب الخلفية للثقافة العربية؟

ليس من بلية وقعت على الشعر العربي أكبر من قصائد المديح وكاتبي الأغاني الهابطة؛ إذ تحوّل المشروع الإبداعي الإنساني إلى حالة بائسة تتراوح بين إشباع غرور السياسيين أو ذائقة الشارع الرديئة، كما أن وسائل التواصل الاجتماعي كرّست حالة من استسهال الكتابة فتحوّل القرّاء إلى كتّاب. الشعر العربي اليوم بحاجة إلى نهضة جديدة في الشكل والمقاصد وإعادة الاعتبار لمكانته في ضمير أبناء هذه الأمّة، فمن غير المعقول أن يغدو ديوان العرب لحنًا نشازًا على آذان النشء في المدارس والجامعات لمجرد عدم قدرته على تحريك مشاعرهم وعقولهم، وجَعْلهم يتمايلون طربًا وغرامًا عند سماعهم لقصيدة عظيمة.

 

 

 

ثانيًا: كانت «عين التيس» روايتك الأولى التي تؤرخ لحقبة تاريخية شديدة الخصوصية من حياة المجتمع الأردني بوجه عام والعربي على وجه الخصوص، وتستنهض ذاكرة الأمكنة.. لماذا؟

قد تكون هذه الرواية هي الأولى التي تتناول منطقة جبل عجلون، وتسهب في وصف الطبيعة والحياة الفلاحية والطقوس الاجتماعية في الأماكن التي تجري بها الأحداث. كما إنها فعلت ذات الشيء في أروقة الجامعة الأردنية خلال تلك الحقبة من الزمن. وتتنقّل أحداث هذه الرواية بين قرى جبل عجلون وغاباته وصولا إلى إرب - المدينة المركزية في شمال البلاد، وترصد التحولات الاجتماعية والزراعية والفكرية والسياسية والاقتصادية في المجتمعات الريفية خلال الفترة بين عامي 1978 إلى 1991. كما تستعرض إنشاء جامعة اليرموك وما لحقه من الأحداث الطلابية عام 1986. ثم تتحرك الرواية ببطلها الفتى القروي سامي إلى عمان، حيث درس في الجامعة الأردنية.

أما جوابي على سؤال (لماذا) فأقول إنها حاولت استحضار مجمل الأحداث الكبرى التي مرت بالأردن والمنطقة العربية منذ ثورة الخميني في إيران وصعود الإسلام السياسي، وصولًا إلى اجتياح الكويت والحرب على العراق، والتي تمخض عنها انعقاد مؤتمر مدريد للسلام.

تعليق عبر الفيس بوك