آفة الواسطة والمحسوبية

حمد الحضرمي **

يشكو كثيرون من تنامي ظاهرة الواسطة والمحسوبية، التي أصابت مجتمعنا منذ سنوات وما زالت مستمرة إلى اليوم، رغم جهود الجهات الرقابية والمعنية للقضاء عليها وتعزيز قيم النزاهة والموضوعية والشفافية.

وحقيقة الأمر أنَّ هذه الظاهرة أحد أنواع الفساد الإداري في المؤسسات؛ لأنها بكل وضوح تلغي حق شخص مستحق أو تحقق منفعة باطلة لشخص غير مستحق، ولهذا تمثل فسادًا يعاقب عليه القانون؛ لأنه اعتداءٌ على حق الآخرين وعلى أسس العدالة وعلى ضوابط المساواة وعلى معايير الكفاءة وتكافؤ الفرص بين المواطنين.

القصص عن هذه التصرفات المرفوضة والأفعال الممنوعة والمجرمة شرعًا وقانونًا لا تنتهي، فتجد مسؤولًا يتوسط لموظف غير مُؤهل ليُعين في منصب ما بمؤسسة حكومية، وهناك من الموظفين من هم أحق منه بهذا المنصب من جميع النواحي العلمية والعملية، وتجد مسؤولًا آخر يتوسط لتوظيف شخص مُعين غير مؤهل من أقاربه أو أصدقائه ليتم تعيينه في مؤسسة خاصة، دون مراعاة لمعايير الكفاءة والاستحقاق.

والخاسر الأكبر من هذه الأفعال والتصرفات والسلوكيات الخاطئة هو الوطن ومؤسساته الحكومية أو الخاصة؛ لأن من يُدير بعض أعمالها جاءت به الواسطة والمحسوبية لهذا المنصب وهو غير مؤهل له وفاقد للكفاءة والإدارة والقيادة، والنتيجة النهائية تراجع مؤشرات التقدم والتطور والازدهار في تلك المؤسسات التي تحتاج لأصحاب الكفاءات من الموارد البشرية، الذين يملكون القدرة على اتخاذ القرار المناسب ولديهم الحكمة والبصيرة في إدارة المؤسسة بكل كفاءة وأمانة، بعيدًا عن الواسطة والمحسوبية التي أصابت جسد مؤسساتنا بالوهن والضعف والتراجع.

والأمر يتطلب بصفة عاجلة وللأهمية البالغة مراقبة أجهزة الدولة الرقابية والإدارية والمالية لهذه الأفعال والتصرفات والسلوكيات الخاطئة والمجرمة، وتطبيق ضوابط وأسس وقيم ومبادئ وقواعد صارمة في التوظيف والتعيين، ومراقبة ومحاسبة كل شخص تسول له نفسه الوقوع في المحظور عبر استخدام النفوذ والمال.

يستدعي الأمر توعية أفراد المجتمع ونشر ثقافة وقيم العدالة والإنصاف والمساواة، ومواجهة الفساد والمفسدين والفاسدين، وأن تكون مواجهة ذلك من أولويات الجهات المعنية، وأن تمارس أعمالها الرقابية بدقة عالية، وأن تبسط السلطات يد العدالة لمُحاسبة ومعاقبة المتورطين، حتى يتمكن أبناء الوطن المخلصون أصحاب الكفاءة المهنية من الحصول على المناصب التي يستحقونها بفضل كفاءتهم وإمكانياتهم العلمية والعملية، وينهض الوطن ويتقدم ويحقق نتائج ملموسة على جميع الأصعدة.

إنني أناشد أبناء عُمان المخلصين التحلي بالجد والاجتهاد والمثابرة وأن تكون ضمائرهم الحية دائمًا وأبدًا يقظة تحرس مصالح الوطن ومكتسباته، حتى يصل وطننا الغالي عُمان لأعلى المراتب ويبلغ أحسن الدرجات، وتكون عُماننا الحبيبة على المستوى الإقليمي والدولي من الدول المتطورة والمتقدمة في مختلف المجالات.

** محامٍ ومحكّم قانوني

تعليق عبر الفيس بوك