د. يوسف بن حمد البلوشي
المُراقب للتطورات المحلية، يُلاحظ وجود تحدٍ واضح في إدارة شؤون القطاع الخاص، ومحدودية قدراته على التأثير في رسم السياسات العامة وتحديد الأولويات الوطنية، وهناك من يرى استمرارًا في وتيرة الضغوطات الاقتصادية والاجتماعية المحلية، المُتمثلة في صور شتى؛ مُباشرة وغير مُباشرة.
وبالنظر إلى المُستقبل المتسم بدرجة عالية من عدم اليقين على مختلف الأصعدة. يتضح أنَّ السلطنة في مرحلة حاسمة من مسيرتها التنموية؛ بل وعلى مفترق طرق هام يتطلب توجهًا وسياسة اختراق عميقة للانتقال إلى طور ونسق جديد من النمو، تتشارك في إيجاده قاطرات ومحركات مُتعددة وعلى رأسها شركات القطاع الخاص في مختلف المجالات والتي يجب أن يكون لها صوت مسموع ومؤثر.
ويبدو جليًا تعدُّد المُبررات الداعمة لتحقيق تغيرات جوهرية في إدارة وتنظيم القطاع الخاص، ونظرًا لأنَّ التغيير سُنة كونية، فإنَّ مرحلة النمو التي وصلت إليها سلطنة عُمان بعد 5 عقود من التنمية، تفرض إطلاق وتشغيل قاطرات التنويع المختلفة والتي تمتلك شركات القطاع الخاص مفاتيحها، لتعظيم الاستفادة مما تحقق فعليًا، وما يحتاج لتكثيف نشاط الابتكار، واستخدام أدوات وأساليب جديدة تكون غرفة تجارة وصناعة عُمان أبرز ممكناتها. علاوة على أنَّ التوجُّه الإستراتيجي لرؤية "عُمان 2040" يتمحوَر حول التحوُّل الهيكلي، الذي يستند إلى تمكين القطاع الخاص وتفعيل دوره المحوري في التنمية الاقتصادية والاجتماعية الشاملة، بهدف الانتقال إلى نموذجٍ جديدٍ من النمو والتنمية المُستدامة، قائم بصفة رئيسة على العمل والاستثمار والإنتاج والتصدير، كبديل للنموذج الحالي القائم على الحكومة والاستهلاك والاستيراد والعمالة الوافدة.. نموذج تتعدد فيه مُحفزات وقاطرات النمو بقيادة القطاع الخاص.
ونحن في عُمان نحتاج لاستنهاض الهِمَمِ ورفع الطموح لدى الشركات وتعزيز الحس الوطني لرجال الأعمال، وكذلك فتح الآفاق لإحداث تغيير جوهري في إدارة القطاع الخاص، وصولًا إلى دور أكثر فاعلية بتحقيق التنمية الاقتصادية المُستدامة في المرحلة المُقبلة.
وفي هذه السلسلة من المقالات التي قسمّناها إلى 3 حلقات، نستعرضُ الأدوار المرتقبة من هذا الكيان الاقتصادي المُهم لتحقيق المأمول في المرحلة المقبلة، ونبدأ بأهمية دوره في تفعيل الحوار بين القطاعين العام والخاص؛ كأداة لتمكين شركات القطاع الخاص ولتأطير فلسفة جديدة، تخدم التحولات المنشودة في المجالات المُختلفة. ولذلك يستوجب دوره الجديد تبني خطاب إعلامي يعمل على توضيح التحديات وإبراز الأدوار والتحولات المطلوبة من القطاع الخاص في إطار رؤية "عُمان 2040"، إلى جانب تعزيز الفهم والوعي في مُجتمع الأعمال والشركات في القطاع الخاص، باشتراطات ومواصفات السلع المحلية للولوج إلى الأسواق الدولية. ولتحقيق ذلك عليه تعزيز قدراته على توفير معلومات استشرافية عن أي تغيرات مُرتقبة في الوضع الداخلي والخارجي قد تُؤثر على الأعمال لتمكينه من بناء جسور وروابط أمامية وخلفية بين الأعمال وإنشاء حاضنات أعمال مُتخصصة لقطاعات وسلع واعدة بعد تحديد فجوات المُنتجات في السوق المحلي وفتح الأسواق الجديدة وتسهيل الوصول إليها.
وهنا نؤكد على دور القطاع الخاص في استثمار شيء من أرصدة الغرفة الضخمة في إعداد خارطة استثمارية للفرص وفق دراسات وأسس مكتملة الأركان لتشجع المستثمر المحلي والأجنبي على الإقبال على الاستثمار، وهناك ضرورة ملحة لتعميق ثقافة التصدير والقيمة المحلية المُضافة، ودراسة الفجوات في سوق العمل لمُعالجتها ببرامج التدريب والتأهيل، وانتهاءً بتبني ملفات رواد الأعمال. ولكي نتعامل مع إشكالية تفتت شركات القطاع الخاص إلى كيانات صغيرة، لابُد من تشجيع عمليات الاندماج المدروس بين الشركات المحلية لتكوين كيانات كبيرة قادرة على امتصاص الصدمات وتوسع أعمالها إلى العالمية. وفوق كل ذلك يجب على الغرفة أن تُسهم بفاعلية في تعزيز عامل التوقع الإيجابي لمُستقبل الأعمال في السلطنة، وذلك لن يتحقق دون تكثيف دور الغرفة في مجال الدراسات القطاعية والبيانات وتنظيم الدورات التدريبية في مختلف المجالات والمشاركة في تنظيم الفعاليات الاقتصادية والاستثمارية داخل وخارج السلطنة. كما إن هناك دور محوري للغرفة في دراسة وتقييم الاتفاقيات التجارية والاستثمارية مع مختلف الدول، والمشاركة في توجيه المؤسسات الحكومية حول إبرام الاتفاقيات مع الأسواق الواعدة، وتعزيز الاستثمارات الصناعية المشتركة مع الشركاء في الدول والأسواق الأخرى.
وختامًا.. نقول إن المنظومة الإدارية والتشريعية الحالية لغرفة التجارة والصناعة وبعض مجالات الأعمال باتت تحتاج إلى مراجعة وتفعيل وتمكين في ظل الواقع الاقتصادي الجديد، وذلك في ضوء التوجهات الحكومية، ممثلة في رؤية "عُمان 2040"، بتمكين القطاع الخاص من تسيير دفة الاقتصاد. وهذه التوجهات تفرض تحولات جديدة؛ منها ضرورة توسيع مساحة استقلالية الغرفة، ومنح صلاحيات أكبر لرؤساء الغرف تُمكِّنهم من المساهمة في تسيير المناطق الصناعية واختيار نوعية الاستثمارات المناسبة والمساهمة في ترويجيها داخليًا وخارجيًا. وتوسِّع مهام الغرفة بتمثيل ودعم وحماية مصالح كافة الشركات المقيمة على أرض عُمان، والعمل كحلقة وصل بين هذه الشركات والحكومة لنقل المقترحات والحلول بهدف الارتقاء ببيئة الأعمال، والترويج لاستقطاب الاستثمارات وإنشاء الشركات في السلطنة.