الهروب إلى الأمام

 

أم كلثوم الفارسية

كم مرة فكرت أنك مكتنز بالضغوطات والمشاعر السلبية وانتظرت إجازتك لتسافر لمكان يريحك ويخفف عنك هذا الضغط.. أنت تهرب إلى الأمام!

كم مرة فكرت أنك تفضفض لصديق بخصوص مشكلة، معتقدًا أنك بهذه الفضفضة قد تخلصت منها، مع كامل وعيك أنه لا يملك من الأمر شيئًا لمساعدتك، فأنت تهرب إلى الأمام. كم مرة فكرت في أنك تدخل في علاقة عاطفية لأنك خسرت علاقة سابقة دون أن تتشافي من جرحك القديم لعل الجديد يصلح ما أفسده القديم أنت تهرب إلى الأمام. كم مرة أصبت بالخذلان وخيبة الأمل، فأغلقت على نفسك الباب لتقضي وقتك مع الأفلام والمسلسلات أو النوم أو ربما فتحت الأبواب لتقضي ساعاتك في المقاهي والأسواق والسفر والاجتماع بالأصدقاء والأهل لكن ما أن تعود لنفسك حتى تجد أنك ما زلت عالقا في ذات الألم. أنت تهرب إلى الأمام!!

كم مرة فكرتِ في إنجاب المزيد من الأطفال حتى تتمكني من إدارة علاقتك بشكل جيد مع زوجك دون أن تقفي وقفة جادة لمعرفة أسباب الخلاف والاختلاف بينكما، أنتِ تهربين إلى الأمام!!

كم مرة غيرت مكان عملك وبحثت عن وظائف جديدة لأنك لم تتمكن من التأقلم في بيئة العمل الحالية دون أن تطور من مهاراتك الشخصية والاجتماعية وتوظفها في تحسين وضعك الوظيفي أنت تهرب إلى الأمام!

الهروب للأمام قوة ناعمة سلبية تضخم المشاعر والأزمات تجعلك تدور في دوامات مفرغة باختيار منك دون أن تجد ضالتك!! الهروب إلى الأمام حقيقة الملفات المفتوحة التي تستمر بالظهور في حياتنا بأشكال مختلفة حتى نقرر بوعي منا أن نغلقها.

من المؤسف حقًا أن هناك الكثير من الناس يمارسون تقنية الهروب إلى الأمام؛ حيث يرفض الواحد منا الوقوف الآن وهنا ليُعيد ترتيب أفكاره ومشاعره يختار أن يحمل الضغوطات والآلام على ظهره على أن يسأل نفسه لماذا؟ وكيف؟ طوال الوقت نهرب إلى الأمام ظنا منَّا أننا تخلصنا من هذا الألم بهروبنا من المواجهة.

كثيرًا ما نخاف أن نُطيل النظر في أعيننا أمام المرايا حتى لا تحدثنا نظراتنا عن انكساراتنا الداخلية أو خذلاننا القديم؛ لأننا نخاف أن نواجه أنفسنا نخاف أن نصل إلى أعمق نقطة ألم في ذواتنا أن هذا الهروب يجعل من آلامنا ومخاوفنا وحشا كاسرا يتعملق كلما تجاهلناه حتى تأتي اللحظة الحاسمة التي تفرضها الظروف والأيام وتتم المواجهة التي لا بُد منها ولكن تكون مواجهة غير متكافئة تكون أنت في أضعف حالاتك بينما الأزمة تكون قد تغذت من كل هذا الهروب وأصبحت أقوى منك.

ومما يجعل الهروب إلى الأمام أمرًا خطيرًا هو أنه لا يسمح لك بمعالجة جذر المشكلة كما إنه يقدم لك وعيًا زائفًا مفاده أنك تخلصت من هذه الأزمة، والحقيقة أنك نقلت الملف مفتوحًا إلى رف العقل الباطن الذي سيسجل بلا شك موعدًا لاحقًا في أحداث وظروف حياتك، يظهر فيها هذا الملف بشكل مستمر كل الملفات المفتوحة لعقلنا الباطن لن تغلق قبل أن نقوم بإغلاقها وهذا ما يجعل فكرة الهروب إلى الأمام مجازفة خطيرة نلجأ إليها وتتسبب في عرقلة حياتنا والصحيح أن نقف مع كل المواقف بوعي ذاتي عالٍ نفهم كل ما في داخلنا من أفكار ونوايا وظنون وطريقة تفكير؛ لأنَّ أغلب الناس لا تعرف عن نفسها غير القشرة الخارجية فقط التي غالبا حددتها آراء الناس من حولنا والتي لا تمثلنا في أحيان كثيرة والسبب في ذلك أننا نفتقر إلى الأدوات الواعية للتعامل مع كل هذه المواقف والضغوط الحياتية مما يجعل ردات فعلنا سطحية تجاه آلامنا وهمومنا العميقة فاللجوء للسفر والثرثرة والتسوق قبل أن نعالج ذواتنا ونرممها من الداخل ماهي إلا محاولات بائسة ومؤقتة لا نشعر بعدها بالتناغم والانسجام والسلام الداخلي الذي نتوق إليه.

تعلم يا صديقي أن تهرب إلى نفسك هروبًا مختلفًا قليلًا يضمن لك الاستمرار في التقدم بسلام دون أن تكون مثقلًا بالخيبات والخذلان والألم.. فمن لك غيرك؟!

تعليق عبر الفيس بوك