الحبيبة دومًا

 

 

عائشة بنت أحمد سويدان البلوشية

 

"يا جارةَ الوادي طَرِبْتُ وعادني

ما يشبهُ الأَحلامَ من ذكراك

مَثَّلْتُ في الذكرى هواكِ

وفي الكرى، والذكرياتُ صَدَى السنينَ الحاكِ

ولقد مررت على الرياض

بربوة، غناء كنت حيالها ألقاك"

أبيات خطها أمير الشعراء أحمد شوقي، تركت أثرها في قلوب الكثير منا، والقليل يعرف المقصودة بهذه الأبيات الشفافة وخصوصًا بعدما قام الموسيقار محمد عبدالوهاب بتلحينها والشدو بها، ويتعجب عندما يعرف بأن شوقي كتبها في عروس البقاع "زحلة" تلك المدينة اللبنانية الجميلة التي يعود تأريخ إنشائها إلى عام 1811، ذات الكروم السخية بأعنابها، يشق واديها نهر "البردوني" إلى نصفين، ليضفي جمالا على حسنها، لذا لا عجب أن يصفها أمير الشعراء في قصيدته الشهيرة "يا جارة الوادي" حيث وقع في حب تلك المدينة وأصبح يزورها بين الفينة والأخرى.

هكذا هي الكلمات القوية في تأثيرها تفعل بنا فعل السحر، وخاصة تلك التي تنضوي على صادق العشق، وليس هناك أصدق من عشق الوطن وعشق الأرض، لأنه عشق يخلو من الرياء والنفاق، فالفرد منَّا يتعلق بالتراب وما عليه، لذا تأتي قوافي الشعر في الوطن لتتخلل كل خلية في المتلقي. وليس هناك ما هو أكثر تأثيرًا من أن تأتيك أبيات شوقٍ للوطن تتحد مع لحنٍ عذبٍ وأنت مغتربٌ في أرض الله بعيدًا عن بلادك.

وربما من أكثر الأغاني الحديثة تأثيرا بي هي رائعة الشاعر هشام الصقري والملحن المتألق إبراهيم المنذري:

"كلما وجهت قلبي لمكان لست أهله // هز قلبي من حقول الشوق فاسقاط نخله، وتجلت لي عمان في ضنى الغربة قبلة // عطش يأكل عمري فاهطلي في العمر قبلة، يا لإيقاع السواقي إن غوى قلبي دله // يعزف المجد اخضرار خالدا يشبه حقله، كل حرف في عمان غصن حب مد ظله // فافتحوا قلبي ففيه جبل يحضن سهله".

وهناك العديد من الأغاني الوطنية منذ بداية النهضة الحديثة أعجبتنا واستمرت معنا، وكلما سمعنا مقطعًا طافت بنا الثواني في سرعة البرق لتحمل لنا الذكريات الجميلة لوطن بدأ من العزلة إلى الانطلاق بكفوف السلام إلى العالم، من ثلاث مدارس إلى جميع أنواع التعليم، من مستشفى "طومس" إلى انتشار المستشفيات والمجمعات الصحية والعيادات في جميع الولايات، من عدة كيلومترات معبدة، إلى شبكة طرق تربط الشمال بالجنوب والشرق بالغرب، لا يحدها جبل، ولا يردها واد؛ وما أروع "العهد الجديد" لمتنبي العصر الشاعر الشاب يوسف الكمالي، وألحان المتألق السيد خالد بن حمد؛ حيث قاما برتق جراح الشعب ولملمة الحزن بهذا العمل الوطني المهيب، عمل خاطب العقل ولمس القلب فبلغ مقصده عن استحقاق، كل منَّا أحس بأن هذا العمل خصص له شخصيا، ليمسح دموعه ويقف ثابتا ويعلي البناء ويعمر الأرض بجهده وعطائه.

هذا العام جاء نوفمبر ليحمل لنا أغنيات وطنية بطابع مطور جديد، حافظ على التراث والعراقة والأصالة مع إضفاء لمسات تواكب "الريتم" السريع للعصر، وحقيقة أعجبتني شخصياً تلك الأغنيات التي جاءت لتذكرنا بالوجود العماني العريق في شرق أفريقيا، والبصمة الواضحة التي خلفها الحكم العماني هناك، كما أن هذه الأغاني تعرفنا على الثقافات المتعددة التي تتواجد في المدن العمانية المطلة على بحر العرب أو بحر عمان، بسبب التجارة البحرية إلى أصقاع متعددة من العالم.

على الرغم من أن الأغنية هي إحدى الأدوات الثقافية التي تنقل للمتلقي رسالة عن بقعة ما، كما فعلت "زحلة" بأمير الشعراء، إلا أن الوطن لا يمكن أن ينحصر في أغنية نتغنى بها، ولا في مقال يكتب أو قصيدة تشنف الآذان، الوطن هو تلك الترنيمة الجميلة التي ترتحل معنا منذ شروق الشمس إلى وقت اللجوء إلى المهجع، والوطنية أو المواطنة هي كل قول وفعل يصدر عنَّا، كل نصيحة صادقة وإماطة للأذى عن الطريق، هي احترام الكبير ومساعدة الصغير، وكلما حافظنا على أقوالنا وأفعالنا دلَّ ذلك على حبنا لوطننا الغالي عمان.

 

-------------------------------------------------

توقيع:

كل نوفمبر مجيد وعماننا الحبيبة سلطانًا وإنسانًا وأرضًا في رخاء ورفعة وعزة وإباء، وتنعم دومًا بالأمن والأمان والاستقرار.