وطن الحُب

 

سليمان المجيني

tafaseel@gmail.com

 

يقول نادر إبراهيمي في رواية "عشق هادئ": لا أدري. أنا دائم التفكير، ليل نهار، وفي كل اللحظات. أفكر في طريقتي ومدرستي وأبناء وطني، وفي وطني أيضا..

الحديث، أي حديث، لا يعادل أحاديثنا عن الوطن، لأن الوطن هو الفكرة في العيش وهو الأحلام والأمنيات، هو الحضن الدافئ والملجأ الراكن ناحية القلب، تقيس حلمك على قدر وطنك وعطائك لوطنك، والوطن هو الصبا كله والهواء كله وما بين ذلك محض أشياء قد تكبر وتصغر ويتماهى الاحتياج لها.

التفكير في كل أمور الحياة مرتبط بالوطن، وطريقة الفرد في العيش والتعبد نابعة منه، وقس على ذلك كل شيء، فالأوطان ليست تربة جامدة وجبالا صلبة أو بحارا وسماء، إنها معطيات.  الوطن فيها هو الروح الوثابة للتغيير والتطوير، والقلب النابض بكل أنواع الحنو والمحبة، إنه شيء خفي يبثك التراتيل القارة في بئره العميق.

المجتمع وطن أصغر نعيش به ويعيش هو داخل قلوبنا، وفي أفئدتنا نجد إشارات كثيرة ورموز تعزز عشق المكان، البحر، الجبل، القلعة، السوق القديم وغيرها، ما يجعلنا ننتمي لحركة المجتمع ولرموزه أينما نذهب في هذه المعمورة، نتنفس المكان، وننشيء علاقة عبقة بالذكريات والحب، يتجسد المجتمع الصغير في تصرفاتنا، ويكون سلوكنا رهن عيشنا فيه وما نهلنا منه سجيةً وطبيعة.

ومدارسنا هي مجتمع أصغر، هي تلك الأماكن الضيقة في محيطها الواسعة في إنجازاتها، الإنجاز هو أن تجد في عوالم تلك الأماكن من يلتفت إليك وتحصل منه على التقدير الذي ستبني من خلاله علاقاتك القادمة، هو مستقبلك، هو المجتمع الذي تقضي به وقتك النشط، هو وطنك الصغير، يمر بك بين جنباته كل ما يمر بك في وطنك الكبير، البحبوحة والعوز، الانتصار والإحباط، الحب والكره، المبالاة واللامبالاة، الالتزام والخذلان، المدح والتوبيخ، رؤوس أقلام العيش في المدرسة والمجتمعات المحلية.

ولعلي أشاطر نادر إبراهيمي في مسألة الاتجاه الواحد؛ "فإذا طوينا الدائرة (كما يقول) في اتجاه واحد فسوف نصل إلى مكاننا الأول"، وهو من الأمور البديهية لكن لا يخلو القول من ذكاء، فالعمر عبارة عن سلسلة من المراحل يعود بعدها الإنسان إلى مقره، ومع ذلك فإن الذي يحيى بعيدا لا يعود حتى وإن دفن في مكان ولادته. الوطن أعمق من أن يكون مكانا صرفاً، الوطن روح، نَفَس، نبض وشيء أكبر من رؤية عين على خريطة الحياة، أو سفينة تجري في محيطات العالم، وعُمان هي كل ذلك.

أما أبناء الوطن فهم إما إخوة أو أُسْرة وولاة أمر، لا يمكن العيش معهم دون مشاكسة أو تمرد أو مودة واحترام، دون تفان في عمل من أجلهم، ومن أجل الحياة التقدمية، أبناء الوطن هم الحب والعشق الذي عبر عنه إبراهيمي بقوله: العاشق متمرد، لكن العشاق الكبار أصحاب مبادئ، وجمال التمرد يكمن فقط في حفظ تلك المبادئ.. العاشق جاد ورزين، ليس بواجم ولا بحزين!

وأقول لأن الحب والعشق لا يتوثق بدون الاثنين "التمرد والاحترام"، هما صنوان ليس بينهما اختلاف إلا في المعنى الظاهري، أما النتيجة فتعني تلاصقا محتدما بشكل أروع، وتعبيرا عن حب أعمق، كما يحدث تمامًا بين متخاصمين بعد صلح، وعبر كثير من الكتاب عن الأوطان في مستهل حرصهم على التلاحم والانصهار في قضاياها ومساعدة بعضهم البعض في النهوض بها، خصوصا من يشد بهم الرأي من متعلمين ومثقفين وكتاب ومهنيين، هؤلاء وغيرهم جديرون بالثقة، ومجتمعاتنا عاشت على حب المكان روحا وجمادا، على حب اللحظة حلوها ومرها، حب الاتساع؛ اتساع البحر والصحراء، وحب الغير.

رغم هذا؛ فالوطن يختلف عن الحب، لكن اجتماعهما يعبر عن العشق ليس لأنه رديف الوطن بل لأنَّ الوطن يعلمنا الحب ولأنه وطن فهو انصهار داخل المكان، والحب لا يكون حبا دون انصهار متفرد، التفرد النقي بما يجدر التعاطي فيه مع المكان بإنسانه وشجره وجباله ومياهه، وبكل مكوناته، واليوم الوطني العُماني يعلمنا أن نعشق هذا البلد بكل ما فيه من مكونات ومعطيات تبعث على العزيمة والعطاء وبذل ما يمكن بذله لخدمته، وتطويره في كافة المجالات.

تعليق عبر الفيس بوك