علي بن سالم كفيتان
إنَّه العيد الوطني الثالث بعد رحيل القائد المُؤسس قابوس بن سعيد- طيب الله ثراه- فالعيد الأول حجبه الحزن والجائحة، والعيد الثاني أطل فيه جلالة السُّلطان هيثم بن طارق المُعظم- حفظه الله ورعاه- للمرة الأولى محتفلًا مع شعبه بيوم عظيم على كل العُمانيين مُستعرضًا وحدات رمزية من طوابير القوات المسلحة، فكانت هامة جلالته عالية عانقت في سموها جبال عُمان الشامخة، وكأنني أستحضر الصور الأولى التي ظهرت لجلالته بعد اعتلائه عرش عُمان من على منصة الشرف في حرم مجلس عُمان بمسقط العامرة؛ حيث بايع أهل الحل والعقد رجلًا صادقًا مُخلصًا لقيادة الأمة العُمانية.
الجميع في كل ربوع الوطن الغالي يترقب هذه الأيام العيد الوطني الثاني والخمسين المجيد من على منصة ميدان النصر في ظفار، ذلك الميدان الذي اقترن اسمه بالنصر والسؤدد، ففيه احتفل القائد الراحل- عليه رحمة الله- عام 1976 باستتباب الأمن وعودة الإنسان والأرض في عُمان إلى مسار التاريخ، بعد حقب مريرة من التجاهل والنسيان وفقدان الأمل، واستطاع وحيدًا- تدعمه إرادة الله وإخلاص شعبه- أن يُبحر بالسلطنة نحو مرافئ الأمان، فغادر قابوس واقفًا رغم اشتداد مرضه، وودع صفوف الرجال الذين يُحبهم ويحبونه، فكانوا خير أمناء على عُمان ومُنجزاتها بعد رحيله.
لطالما كانت ظفار نافذة الأمل ومفتاح التعافي لوطننا الغالي، وإن جاز لنا اليوم سنقول: إن هذا العيد هو عيد النصر الاقتصادي على الأزمة المالية التي ألمّت بكل بلدان العالم دون استثناء، واستطاعت السلطنة بحنكة جلالة السلطان المعظم، وكل المخلصين، أن تتجاوز عتبة الأزمة، والولوج إلى رواق الرفاه- بإذن الله تعالى. لا يُنكر أحد أن القرارات التي كانت أمام جلالته- أيده الله- صعبة للغاية، وفيها الكثير من التحدي على الصُعد كافة، خاصة على المستوى الوطني، ولا شك أن العاطفة الجمة التي غرسها المغفور له السلطان الراحل كان لها حضورها البالغ والمؤثر خلال الأعوام الثلاثة الماضية، والجميع يدرك اليوم أن الروح الأبوية ممتدة مع جلالة السلطان المعظم- أيده الله- وبأن يد العطاء مستمرة ونهج المكرمات هو من ديدن سلاطين البوسعيد الكرام.
سنحتفل هذا العام بهذه المناسبة من ربوع قصر الرباط العامر وستردد الجبال والوهاد والصحاري التي خضبتها الدماء الزكية نشيد:
يا عُمان الخير والعز المكين // في حمى السلطان قائدنا الأمين
جيشك المغوار من يحمي العرين // فوق هام الكون رفرف ياعلم
إنِّه النشيد الجديد الذي صاغ كلماته شاعر الوطن سالم بخيت المعشني (أبو قيس) مستلهمًا كل المواقف الخالدة لأمتنا العظيمة منذ طرد المستعمرين وامتداد الإمبراطورية العُمانية لمساحات شاسعة في هذه الكون، ونشر الثقافة والدين وسمو الأخلاق للكثير من الأمم؛ إذ لم يكن ذلك محض صدفة؛ بل نتاج عمل دؤوب وفكر متزن ونظرة ثاقبة؛ فالعُمانيون لم يكنوا على هامش الزمن يومًا؛ بل ساهموا في صناعة تاريخ البشرية، وهذا السمو وهذه الرفعة تجعلنا اليوم نردد "فوق هام الكون رفرف يا علم"، موقنين بأن التاريخ يعيد نفسه وأن المجد متوارث فينا إلى قيام الساعة، وأننا صُنّاع حضارة خلّدها الإنسان، فخاطبنا الأنبياء كأمّة، وطلب الملوك والأباطرة مودتنا، وتزاحمت على موانئنا سفن تبحث عن ربابنة السلامة لتلج البحار البعيدة، كل ذلك لا يُمكن نسيانه؛ فهو راسخ في الذاكرة الجمعية العُمانية كرسوخ جبال الحجر وجبال ظفار ومسندم.
ستعود الأعياد إلى كل ربوع الوطن وسيُشرِّف جلالة السلطان- أيده الله- كل الحواضر العُمانية، وسنكون على الموعد دائمًا للترحيب بالمقدم السامي الكريم أينما حل وارتحل، سنعد أنفسنا بأن القادم أفضل، وأن الخير يكمن في نفوسنا وعقولنا وسمو مقاصدنا وتوكلنا على الله.. سيحمل ذلك الشبل الصغير علم بلادي صبيحة يوم العيد إلى مدرسته، وستتزين تلك الزهرة الصغيرة بثوب يحمل ألوان عُمان، سيجلس الصغير والكبير بشغف خلف الشاشات عصر ذلك اليوم الخالد، منتظرين إطلالة جلالة السلطان المعظم- حفظه الله- وسيستمتع الجميع بصوت العميد الركن حامد البلوشي قائد طابور العرض عصر ذلك اليوم المفعم بالوطنية، ستعود مفارز قوات الفرق الباسلة إلى الساحة مجددًا مرددةً صوت النصر من ميدان النصر في ظفار. حفظ الله بلادي.