في حضرة الرئيس بشار الأسد (1)

...
...
...
...

 

سالم بن محمد العبري

حين أبلغني سعادة السفير إدريس ميا بترتيب سفرنا لدمشق التي يتعلق بها وجدان كل عربي ومسلم ثابت الإيمان قوي الشكيمة والإرادة، كان شرطي الوجداني أن لا معنى لزيارتنا إلا إذا كُنا سُنكرم بوسام لقاء الرئيس بشار الأسد مهندس النهضة المميزة التي تحققت في السنوات العشر الأولى منذ تولى الرئاسة في عام (2000)، بعد مغادرة القائد المُلَهَم حافظ الأسد الدنيا تاركًا القيادة الجماعية للبُناة الذين صاحبوه وآزروه منذ أن قاد الحركة التصحيحية في الأول من نوفمبر (1970) عقب وفاة الزعيم جمال عبدالناصر بشهرين، وكأنه توقع أن أحداثًا جسام ستعصف بالمنطقة العربية وبالأمة ولا بُد من تحصين سورية التي ستكون القلعة العربية الوحيدة؛ إذ ستتهاوى قواعد العروبة تباعًا، وكانت سوريا قد شهدت قبله تلاشي قوتها بعدم الاستقرار نتيجة الانقلابات التي تتابعت في الجمهورية العربية السورية منذ الانقلاب ضد الوحدة في (1962).

ترأس الرئيس بشار الأسد الكوكبة التي أقامت البناء الثابت مع الرئيس حافظ الأسد ثباتا وفكرا وأنكر كل أولئك الأفذاذ أنفسهم وأسبقيتهم قائلين نحن متقدمون في العمر والمؤشرات تُشير بأحداث جسام ومصيرية سوف تعصف بالعالم العربي. إذا ليكون الشاب الذي لم يكمل العقد الرابع من عمره يترأس الفريق ولنكون معه آباء وإخوة أوفياء للوطن وللمؤسس حافظ وله نبايع على السمع والطاعة. ليس من المعتاد في عالمنا أن يكون الوعي والبصيرة بهذا الإنكار والسمو، لكنني أعتقد أن رِفاق حافظ الأسد كانوا نخبة قل أن توجد في عالم البشر مثلهم، فإذا كان صحابة رسول الله لم ينزهوا من الخلاف والتطلع إلى الخلافة فكيف بأفراد يمتحنون بعد (1400) سنة. تولى بشار الأسد الأمر في هذه الظروف وهذه الاحتمالات والعواصف وقاد سفينتهم بشيء من التوفيق واقتدار للمواجهة.

من هنا فإن تلبية الدعوة التي تأجلت بسبب جائحة كورونا وتفعّلت سريعًا لا تعنيني بكثيرٍ من الاهتمام، فأكاد أتابع سورية والشأن السوري باهتمام عالٍ وبشيء من الحرفية، فالاشتراط لا يليق والإشارات من السفير لا تنفي ولا تؤكد يوما بعد يوم التسريبات والاستعدادات تجزم بأن الوسام قد حضر له ويتأكد قُبيل سفرنا ووصولنا صباح الجمعة 28 أكتوبر 2022م، إذ بسيارتي الرئاسة تنتظرنا مع درج الطائرة، ونقضي الجمعة برحاب الجامع الأموي نأتم بالدكتور توفيق محمد سعيد البوطي، أي بابن الشهيد البوطي الذي استشهد بالمسجد وهو يدرس لتلاميذه ودفن إلى جانب مرقد القائد صلاح الدين، فلنسلم عليهما مقامٌ يليق بالبوطي لم يفكر فيه ولم يطلب له مرقدًا لكن إرادة الله أنزلته هنا في حين لم ينزل غريمه شيئا من هذا.

أما في السبت فمن الحري بنا أن نذهب إلى الزبداني ومرافقها  السياحية  إذ تتهيئي لاستئناف العمل بخفة لا توحي بعجلة من أمرهم، والطرقات تسترجع نشاطها ونقاط الأمن لا تشعرك بأن البلد في حرب بل تنبئك بأن الأمن والبلد ممسوكان، ويقول مرافقنا أن أهل (مضايا) حموا بلداتهم ومساكنهم ومرافق حياتهم التي يعتاشون منها زراعةً أو تجارة أو سياحة، لذلك لم يتمكن الإرهاب من التدمير أو العبث، صدوه  ووقفوا أمامهم جنودًا أشاوس ورجالا لا يهربون فيسلموا أعراضهم وممتلكاتهم، لذلك تراها سليمة لم تخدش من وحوش غاب الحياة الذين رهنوا أنفسهم بحفنة أموال حرام فظلت المنطقة باهية تنبئك بوعي أهلها وبسالتهم وحميتهم، لم ينتظروا الجيش والردفاء بل قالوا نحن حماة الديار، فعليهم سلام.

عدنا بعد أن شربنا من مطعم في منطقة الروضة النظرة وتأخذنا السيارة إلى (يعفور) حيث مساكن السفراء وحيث أقام أخي الشيخ هلال بها فترة، ولا من يفتح الباب لنرى حين كنا ضيوفا عليه في فترات زياراتنا لدمشق. المنطقة محتفظة بالجمال وبأزاهيرها، ويذكرنا بموقع نقابة أقيمت مقابلةً للبيت العماني حيث أرادوا أن يفتحوا بابا صغيرا للخدمات مقابل الباب الرئيسي للفلا، والحوار معهم لم يفلح فالرجوع  للمراجع العليا هو من يغلق بوابة طارئة تشوه المنطقة وتغلق عليهم  ليبقى مكان البويب الذى فتح وأغلق شاهدا على المصارعة، ويأخذنا (مدين) إلى قناة نور الشام فالمقابلات تسبق اللقاءات وكأنها سوف تعرف المسؤولين عن ماهية الزوار ( فلسان بيانه دليل حاله ) كما قال الإمام الخليلي وهو يقدم السالمي في رسالته للملك عبدالعزيز، ونمضي حوالي ثلاث ساعات يسجل لقاء للشيخ السيابي ثم يسجل لي مثله، ومرافقنا (فادي نصرة) من مراسم الخارجية لا يكاد يفصح لكنه يلمح ولا يلتزم بشيء فارتباطات المسؤول الأول تحدث له مستعجلات و وهم قد أهلوا لمثل هذه التواصُلات فلا ينبئك الا بالخبر اليقين.

يأتي اليوم الإثنين وينبس الأمين (ببنت شفه) لا ترتبطوا بمواعيد يوم الأربعاء من الصباح إلى الظهيرة، إذا و(عند جهينة الخبر اليقين) ويأتي يوم الثلاثاء فيتصل بي قائلأ كونوا جاهزين مع التاسعة صباح غد وقبلها أكون معكم ونستعد وقتا ولباسا، ولكن من الغريب أننا لم نستشعر هيبةً كما كنا قد نحسها مع غير بشار الأسد، هذه أول صفات هذا القائد والرئيس الذي تميّز حتى بهذا الوصف.

ننتظر بالشيراتون في بهوه وماهي إلا دقائق ويأتي عميد من أمن الرئاسة ليأخذنا ويقدم موكبنا ويجلس أمامنا كأنك أمام أخ وشخص مألوف لك لا أبهة في الملبس عن سائر الناس ولا رتبا معلقة ولا عجرفة ضابط في أمن بالقصور والرئاسات وحديث بيننا وكأننا تخرجنا من مدرسة أو كلية واحدة أو بيننا صلة رحم أو جيرة، كلا يا أخي إنها مدرسة الأسد التي أتت من رحم الشعب وغايتها الشعب وهمها وشاغلها الشعب والوطن لا بيوت ولا قصور، بل مع الشعب والجيش.

ما هي إلا دقائق وتمتم  الهاتف أفضت إلى قول العميد هي بنا ونخرج من الفندق هو أي العميد يسبق الركب ونقطع طرقات دمشق التي بدأت تستعيد حيويتها بشيء من كثافة السير والأشجار يمنة ويسرة ترافقنا كأنها حرس بلباس أخضر، ولم نستشعر أن الطريق قد يبعد و كثافة التشجير تتعاظم والزهور تتفتح بعبير الزهر الصباحي والطريق يأخذ بالصعود في روبة تناظر جبل قاسيون وكل منهما يطل على الآخر، وبوابة بها أفراد جيش تؤكد بأننا قد دخلنا حرم الرئاسة، ولحظات والمركبات تقف على باب لا يبعد عن موقف المركبة إلا أمتارا وما نكاد نبرح أبواب العربة حتى نرى الرئيس واقفا علما مبتسما يستقبلنا، ونسرع  تتشابك أيادينا والبشر المتبادل يعطر اللقاء المؤرخ في الثاني من نوفمبر وتكتبه أنفاسنا في قلوب بيضاء تحبّر بورد الاستقبال البهيج، وقد يتراجع الشيب معنا و كأننا نؤرخ لحياة جديدة تستمد من ياسمين دمشق ومن عظمة ولطف قائد أيقن أنه يستقبل أناسا ينحدرون من لجين الأمة واصالتها لم، تأت بهما رغبة شهرة أو تسويق مشاريع منفعة، بل ما أخذهم الى هنا معرفة عميقة لمن يشمخ يزيد قامته المتعالية علو المبادئ والتمسك بها والصبر والمصابرة، بحيث يهذي عدوه يحلم أن الأسد يترك عرينه وبلغ بهذائهم أنهم أصيبوا بعمى الأبصار فإن تبدت لهم ظلمة قالوا أنه سيخرج وامتدت ظلمتهم إلى يوم يلقونه، وإن أبلج إصباح توهموا أنه أنار طريقا للخروج، وجن جنونهم وهم يرون كل مواعيدهم وتواريخ رجائهم صيرها مواعيد عرقوب وسراب العطشان فلم يجد بلة ماء فمات عطشا وكمدا.

وهو يصافحنا بحرارة الموقف والمودة وقامة رجال يستمدون من قامته ومن صفائه في البشرة والقلب قامة تعلو بهم إلى قمة قاسيون وجبال الحمراء وتمتد بهم إلى القدس والمسرى وإلى غرناطة التاريخ والحضارة التي علمت أعداء اليوم، فجهلوا وخرفت عقولهم لذلك يهذون كالمنزوع عقله فيسير حيوانا لا إنسان، ويقول للشيخ هلال ألم تعود منذ ٢٠٠٥ لدمشق، والصالون الذي فتح إلى ياسر الباب الرئيسي الذي يسطحبنا إليه تحسبه في بيت أحدنا وليس لقائد سيملأ الدنيا أخبارا و تحليلا وستعجز الأقلام أن تستقص كُنه هذا الرجل ربما يحتاج  العاملون معه و مرافقوه أعمارا تضاهي عمر نوح عليه السلام ليمكنّهم تسجيل هذا السجل العظيم. ويؤم لنا أن نجلس بكرسين شبه مذهبين أمامه ويجلس هو في كنبة مقابلة ويبدأ الترحيب والحديث المنساب دون تكلف كماء ينصب من نبع طبيعي يشفي ويذهب الظمأ الذي بي لسماعه ومعرفته عن قرب. واستأذنه في كلمة أمامه فيأذن تفضل وأبدأ ببركة البسملة والحمد لله والصلاة على النبي ويصلي معي على خاتم الانبياء ثم قلت: كم أنا سعيد أن أقف بين يديكم مسلما ومحييًا ومقبلا جبهة الصمود والإباء و القيادة التي تعلو بالأوطان والأمة، أنتم سيادة الرئيس تمثلون كل المعاني والقيم  والمواقف التي يراها مثلي مدعاة للاعتزاز والتقدير والاحترام يكفينا وأنا أتابع مسيرة سورية منذ أن بقيت سورية القلعة العربية الوحيدة للنضال والصمود، وشاء القدر أن تنتقل القيادة لسورية وأن يكون حافظ عهدها هو القائد الرئيس حافظ الأسد هو من يقود هذا القطر ومن ثم يمثل الرجل القائد للأمة ولنضالها ولأحرارها ومجاهديها، لذلك وأنا أعيش يوما بيوم لنضالكم وصمودكم خلال الحرب العالمية على سوريا، أجد أن غثاء هؤلاء في قلب دمشق يبعد كيلومترات عن مركز القيادة والقصر الجمهوري وأنتم أسد صامد لا تقشعر لكم شعرة، هذا ما يحدونا للقائكم ومصافحتكم والشد على كريم يديكم قائلا مرددا:

بشار فصمد أنت آخر حصنهـــا *** وخذ القيادة بايعتك جموعهــــــا

واعلم بأن العرب كل شعوبهــــا *** تعطي القيادة من يقوم مقامهـــا

فانهض على بركات خالق كوننا *** عين السما ترعاك إن ترعا لها

عدلا وصدقا ثم قم بعزيمـــــــــة *** قـد أمـــة النصر مكفول لهـــــا

السيد الرئيس القائد الملهم  توكل على الله وثق بشعبكم وأمتكم وبأحرار الأمة التي نمثل والله مؤيديكم ومعينكم وناصركم ولن يتركم أعمالكم

تعليق عبر الفيس بوك