يوسف عوض العازمي
alzmi1969@
"إنه أهم حدث رياضي، ولكنه ليس حدثًا رياضيًا فقط؛ بل هو مناسبة إنسانية كبرى" الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير دولة قطر.
*****
من يعرف دول الخليج وبالتحديد دولة قطر وتذكّر زمان الثمانينيات من القرن الماضي (وهنا أتحدث عن فترة قصيرة جدًا بحساب أهل التاريخ؛ بل قد لا تجد لها أثرًا زمنيًا نظرًا لقصرها) سيتذكر أنَّ قطر إبان تلك الفترة لم تكن سوى دولة صغيرة لا يبدو عليها تطور، ولا يُنظر لها حتى بالمُقارنة مع دول شقيقة قريبة المسافة، كانت أحوالها نائية ولا أظن قطعًا أن أحدًا- وقتذاك- قد تنبأ بقطر عام 2022، قطر ذات الطيران الخمس نجوم الأول عالميًا، قطر مالكة شبكة (beIN SPORTS) القنوات الرياضية الأشهر في الشرق الأوسط، أو قطر منظمة مونديال 2022، من كان يتصور أو يتخيل ذلك؟
مرت الأيام، بل السنوات، وبعد أيام قليلة ستنطلق- بحول الله- بطولة كأس العالم لكرة القدم في دولة قطر الشقيقة، وهذه المسابقة العالمية تعد ثاني أكبر مناسبة رياضية عالمية بعد الأولمبياد، وسيُشارك بهذا الحدث العالمي البارز 32 منتخباً دولياً يمثلون صفوة لاعبي كرة القدم في العالم، ونتطلع أن تكون النسخة القطرية هي الأبرز تاريخيا، نظرا للسجل الحافل المتميز لقطر في تنظيم الفعاليات الرياضية المختلفة، واعتبرت القيادة السياسية في الشقيقة قطر أن البطولة هي لكل العرب، ونحن أيضاً نقولها بإذن الله لكل العرب فمن لم يحضر بجسده سيحضر بقلبه لهذا البلد الخليجي العزيز.
أهمية المونديال ليس كونه مباريات كرة قدم وفاز من فاز وخسر من خسر، وهذا مشجع ضحك وفرح بعد فوز، وذاك مشجع حزن وبكى بعد خسارة، الأهمية في حجم الجهود التنموية التي واكبت هذا الحدث النادر، بل الأهمية المهمة هي إثبات قدرة البلدان العربية الخليجية على تنظيم أصعب المناسبات تنظيميًا، وبإتقان وترتيب وتحضير مبهر. ومن المتوقع قدوم أكثر من مليون مشجع إلى العاصمة القطرية الدوحة، أي حوالي 37% من عدد سكانها، البالغ 2.7 مليون نسمة، وتُعد دولة قطر إحدى أصغر الدول التي تستضيف المونديال، على مر التاريخ، من حيث المساحة، إذ تبلغ مساحتها 11,571 كيلومترًا مربعًا.
هنا ومادام الشيء بالشيء يُذكر، لا يمكن لأي منصف أن يتجاهل القدرة التنظيمية الواثقة، والاحتراف في إدارة تدفق الحشود المليونية الهائلة بسلاسة تامة، وبلا مشاكل تذكر، كما يحدث سنويًا في المملكة العربية السعودية الشقيقة في موسم الحج؛ حيث أثبتت المملكة الشقيقة الكفاءة التامة والقدرة الموثوقة سنة بعد سنة في تنظيم واستضافة أكثر من مليون حاج سنويًا وفي بقعة جغرافية صغيرة وزمن لا يتعدى أيامًا، ومع ذلك تسير الأمور باحترافية مذهلة. لذلك أتمنى على الأشقاء الأعزاء في قطر العزيزة الاستفادة من التجارب السعودية المميزة في إدارة الحشود والمناسبات، ولا أن شك نجاح السعودية ونجاح قطر هو نجاح لجميع أهل الخليج؛ بل ويجير لنا جميعًا، لذلك التعاون عز ورفعة ولا حرج منه ولا غضاضة؛ فالهدف هو النجاح الذي سيسجل باسم قطر ومايسجل باسمها هو ضمنياً باسم كل العرب.
ولأنَّ كل ذي نعمة محسود، فقد تعرضت الشقيقة قطر لحملة شعواء ظالمة من عدد من الدول التي يبدو أن النجاحات القطرية المتتالية استفزتها، ومنها دول أوروبية متطورة جدا ومع ذلك لم تخفِ الحسد البغيض، وإظهار الوجه الوقح في محاربة قطر عبر انتقادات لا أساس لها، وتحريض واضح، حتى ظهر الأمر علنًا، ومع ذلك نثق تماما أنه لن يحرك شعرة والقافلة تسير والواثق لا ينظر خلفه.
وعلى ذكر الانتقادات لقطر على أمور- إن صحت- فهي توجد في كثير من الدول ومنها الدول القائدة لحملات التشويه، ولا تشكل أثرًا معطلًا، مع التشديد على أن الجميع مع حقوق الإنسان وحفظ كرامته، وهي مبادئ لا تتجزأ. لكن هنا أذكر باعتزاز أنه رغم ما جرى في الأزمة الخليجية المؤسفة قبل فترة، إلا أن الدول التي كانت أطرافا في الأزمة هي الآن من أشد الداعمين لشقيقتهم قطر، وهنا تبدو طباع حسن الجيرة، والوقفات الكريمة مما يُعزز مسيرة التعاون والثقة والأخوة بين الأشقاء.
علينا فهم أن الرياضة مرآة الدول المتحضرة والتي تهتم بالإنسان والنشأة الصحية وهي في الحقيقة مقياس تفاخر بين دول العالم لمن يهتم أكثر بهذا الإنسان، فتكون الرياضة هي بوابة تعارف الشعوب والمحبة لسكان المعمورة بعيدًا عن أي لون من ألوان التعنصر ونبذ الآخر؛ بل تكون قيم التسامح والمحبة هي السائدة، وسنحتفي أيضًا بروح الألعاب، التي تشجع الصداقة والتعاون الدوليين، ونحن نشاهد الرياضيين وهم يتنافسون سلمياً في حلبات اللعب لا في مناطق نزاع، على الرغم من خلافات بلدانهم الجيوسياسية.
أخيرًا لا يُمكن الانتهاء من هذه الكلمات دون المرور على كلمة الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية د. نايف الحجرف، عندما أكد أنَّ "استضافة دولة قطر بطولة كأس العالم 2022 مصدر فخر واعتزاز مستحق"، وهو بالتأكيد مايدور في أنفسنا كخليجيين وعرب.