ناصر بن سلطان العموري
كنت في بداية هذا العام طرحت مقالا بعنوان "المقاطعة الاستهلاكية.. بين الفكرة والتنفيذ"، وكان عن الهاشتاج الذي ظهر يومها على منصة توتير بعنوان (#حملة_خلوه_يفسد)، وأسباب ظهوره وقتها كثيرة ومتعددة؛ بل وأصبح عنوانًا لكل ما يشتبه أنه غالٍ وبه نكهة استغلال بنظر المستهلكين.
وهذا ما هو معلوم، إلا أنه نتيجة للأوضاع الاقتصادية العالمية المُتقلبة وما صاحبها من غلاء للأسعار على المستوى العالمي انعكس سلبًا على البضائع والمنتجات وتسبب في ازدياد أسعارها، مما ولّد السخط لدى المستهلكين، نتيجة هذه الزيادة التي هي مبررة في نظر الاقتصاديين وغير مبررة من جانب الرأي العام، وهو ما تكرر في الآونة الأخيرة، وآخرها الدعوة الشرسة إلى مقاطعة إحدى الشركات المحلية المنتجة للألبان ومشتقاتها.
لسنا هنا بصدد تعريف المقاطعة أو الدول التي طبّقت حملات المقاطعة على عدد من السلع ونجحت نجاحًا منقطع النظير؛ سواء أكانت على المستوى الإقليمي أو العالمي أو حتى التشجيع عليها؛ فالمقاطعة حتى تستوي ويكمل عودها تحتاج لمزيد من المعايير والشروط؛ منها على سبيل الذكر لا الحصر: وجود جهة منظمة تتبنى الحملة، أضف إلى ذلك وجود أسباب وبراهين منطقية للمقاطعة؛ بل وتضامن وقبول شعبي كبير لها.
العالم وما يمر به من ظروف شتى منها ما هو سياسي واقتصادي، أشعلت فتيل الأسعار وكانت المتسبب الأول في نقص سلاسل الإمداد، والتأثير على سلاسل التوريد للغذاء والشحن، وبدورها أثرت على أسعار المنتجات خصوصًا التي تعتمد عليها أهم المنتجات الغذائية، ومن أهمها الأعلاف؛ فغلاء أسعارها تسبب في زيادة أسعار أغلب السلع الغذائية التي ترتبط بمعيشة المستهلك. ومن هنا جاءت النظرة العاطفية وردة الفعل المتوقعة التي أظهرها جمهور المستهلكين عبر مواقع التواصل الاجتماعي من خلال المناداة بمقاطعة منتجات إحدى الشركات المحلية، مهما كانت المبررات والأسباب.
السؤال هنا: هل رفع الأسعار خصوصًا لدى الشركات المحلية التابعة لجهاز الاستثمار العماني آخر الحلول؟ وإن كانت هناك حلول أخرى كخفض التكاليف مثل الوقود والإعلانات والحملات التسويقية وغيرها من مصاريف الشركة الأخرى دون المساس بالمستهلك، فلماذا لم تلجأ إليها الشركة؟ وهذا ما يتعارض مع الهدف من إنشائها من خلال تحقيق الأمن الغذائي للبلد.
للأسف البيان الصادر عن شركة الألبان وما رافقه من مؤتمر صحفي عُقد من أجل تهدئة الرأي العام، لم يكن بذلك البيان المأمول ولم يهدِّئ من حفيظة المطالبين بالمقاطعة ويشفي غليلهم، فحتى توقيته لم يكن بذلك التوقيت المناسب، ولو أنه صدر قبل قرار رفع سعر المنتجات لكان من المُحتمل أن يحظى بنوع من تقبل الوضع من جانب المستهلكين؛ فالمستهلك هو خط الدفاع الأول للشركة ويستحق الاحترام وإظهار المسببات المنطقية له حتى يكون في الصورة والخوف هنا بعد رفع الأسعار أن يتجه لشراء منتجع آخر ولو كان غير محلي، وبهذا ربما تكون الشركة فقدت ثقة المستهلك وجزءًا كبيرًا من مبيعاتها على المستوى المحلي.
وعلى المستهلك كذلك اللجوء الي سلاح الترشيد واختيار ما يُناسب ميزانيته من منتجات وسلع، دون النظر بين المحلي والخارجي؛ فالأهم مصلحته. وهناك قصة لعل من المناسب الاستشهاد بها عبر هذا المقال؛ حيث "جاء الناس يوما، يشكون أمرهم إلى الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وقالوا له: غلا اللحم يا أمير المؤمنين فسعِّره لنا، فرد عليهم قائلاً: أرخصوه أنتم!! فقالوا له: نحن مَن يشتكي غلاء السعر واللحم عند الجزارين، فتقول لنا، ونحن أصحاب الحاجة، أرخصوه أنتم!! وهل نملكه حتى نرخصه؟! ثم كيف نرخصه وهو ليس في أيدينا؟! قال: اتركوه لهم"!
أما اللعب على وتر الوطنية بأنَّ المقاطعة سوف تتسبب في خسارة الشركة كونها شركة وطنية ومنها فقد العديد من المواطنين العاملين في الشركة لوظائفهم، فهذا مرفوض البتة، وهذا موَّال سابق، كان يلعب عليه التاجر الوافد المُتحكِّم في سير الأمور للضغط على المواطنين العاملين في القطاع الخاص، أو حتى عند تقديم الطلبات للجهات الحكومية للحصول امتيازات معينة.
الصالح العام الوطني يجب أن يكون فوق كل اعتبار، دون النظر لأي مسببات؛ فالشركات المحلية- وإن كانت شركات ربحية- يجب أن تتضامن مع المواطن في طرح أسعار معقولة وفي المتناول، وبما يتناسب مع الوضع الراهن، وفى المقابل على المستهلك المحلي أن يرد هذا الجميل بدعم هذا المنتج المحلي بأفضلية الشراء، وهنا تكون الفائدة متبادلة بين الطرفين والكل في النهاية مستفيدٌ.