عبد الله العليان
يعد الكاتب الصحفي مصطفى محمد يوسف، الشهير بـ"مصطفى أمين"، أحد الصحفيين العرب الذين أسّسوا مدرسة صحفية رائدة في مصر في النصف الأول من القرن العشرين، مع أخيه التوأم الكاتب الصحفي علي أمين؛ حيث ولد التوأمان في 21 فبراير 1914 في القاهرة، وكانت والدتهما ابنة أخت الزعيم المصري سعد زغلول.
من هنا انعكست رؤيتهما السياسية والفكرية من خلال هذا البيت السياسي الكبير ونشاط الزعيم ودوره الفكري وتأثيره، جاء الأستاذ مصطفى أمين للحياة، والحرب العالمية الأولى مُشتعلة نيرانها في أكثر من قارة، ومصر آنذاك كانت تحت الاحتلال البريطاني ونالها بعض شرر هذه الحرب. ومن هنا تأثرت مصر بهذه الحرب بسبب وجود هذا الاستعمار. درس مصطفى أمين في المراحل الأولى في المدارس الأهلية الخاصة التي تعتبر من المدارس التي تهتم باللغات الأجنبية، بعد ذلك التحق بكلية الحقوق بجامعة فؤاد الأول (جامعة القاهرة حاليًا)، التي كانت من الكليات التي يطلبها شباب ذلك العصر، سواء للعمل القانوني كالقضاء أو النيابة العامة أو المحاماة، أو العمل السياسي الدبلوماسي وغيرها من الوظائف، وبعد الانتهاء من الدراسة الجامعية، سافر مصطفى للولايات المتحدة الأمريكية علم 1938، وحصل على الماجستير من جامعة جورج تاون في العلوم السياسية، مع مرتبة الشرف الأولى، مع اهتمامه بالصحافة وهو في الولايات المتحدة، وبعد عودته من دراسته في الولايات المتحدة، عمل مُدرسًا لمادة الصحافة بالجامعة الأمريكية بالقاهرة لمدة أربع سنوات، لكنه شغفه بالصحافة جعله يترك العمل الجامعي.
قبل الدراسة الجامعية، كان مصطفى أمين يعشق الصحافة منذ المرحلة الثانوية، كما أشار بعض من كتب عنه في المراحل اللاحقة، وكانت له كتابات بصورة متقطعة في بعض الصحف والمجلات المصرية آنذاك، منها مجلة روز اليوسف العريقة، التي أسستها الكاتبة الصحفية فاطمة اليوسف، والدة الكاتب الصحفي والروائي إحسان عبد القدوس، في أواخر الثلاثينات من القرن الماضي، وقبلها العديد من المجلات والصحف، منها: مجلة التلميذ، ومجلة الربيع، وصدى الشرق، ومجلة الأقلام. لكن جميعها أُوقفت بسبب النقد الذي توجهه هذه الصحف والمجلات للحكومة في الفترة الملكية، وواجه مصطفى أمين الاعتقال السياسي عشرات المرات، إما بسبب مشاركته في المظاهرات الشعبية في فترة الاحتلال البريطاني، وأحيانًا مشاركته في التظاهرات الطلابية، أو النقد في الصحف، آخرها الاعتقال السياسي الذي واجهه مصطفى أمين في عام 1965، بتهمة بالتخابر مع بعض أعضاء السفارة الأمريكية في مصر، وسيكون له حديث آخر بتفاصيل أكبر.
بعد ذلك، اشترك مصطفى مع الصحفي محمد التابعي، في تأسيس مجلة "آخر ساعة"، وعمل أيضًا في مجلة "الإثنين" لعدة سنوات، ثم استقال منها لفكرة إنشاء صحيفة أكبر وفق ما تتمتع به الصحف الغربية الشهيرة من مضامين صحفية من حيث القبول في الرأي العام. وفي عام 1944، أسس مصطفى أمين وأخوه علي أمين مؤسسة أخبار اليوم المصرية الشهيرة، وكانت بمثابة نقلة لمؤسسة صحفية انبثقت عنها العديد من المجلات والصحف المتعددة المجالات، بعد صحيفة الأهرام المصرية الأقدم منها. ويقول الكاتب والمؤرخ د. محمد الجوادي في دراسته عن مصطفى أمين، إن: "مولد جريدة "أخبار اليوم" بواسطة كل من مصطفى وعلي أمين، وكانت هذه الجريدة بمثابة الحلم الذي تحقق لهما، وبدأ التفكير بها بعد استقالة مصطفى من مجلة "الإثنين"؛ حيث أعلن عن رغبته في امتلاك دار صحفية تأتي على غرار الدور الصحفية الأوروبية، وبالفعل ذهب مصطفى أمين إلى أحمد ماهر باشا رئيس الوزراء ووزير الداخلية ليتحدث معه في الصحيفة الجديدة، وطلب منه ترخيص لإصدار صحيفة سياسية باللغة العربية باسم "أخبار اليوم"، وبدأ مصطفى في اتخاذ الإجراءات القانونية لإصدار الصحيفة، وجاء يوم السبت 11 نوفمبر 1944، ليشهد صدور أول عدد من "أخبار اليوم"، وقد حققت الصحيفة انتشارًا هائلًا، وتم توزيع عشرات النسخ منها مع صدور العدد الأول، وقد سبق صدورها حملة دعائية ضخمة تولتها الأهرام، وقد قام الأخوان أمين بعد ذلك بشراء مجلة "آخر ساعة"عام 1946 من محمد التابعي".
حققت "أخبار اليوم" شعبية كبيرة، بعد صدورها، وحققت إقبالًا من المتابعين للصحيفة، واستقطبت "أخبار اليوم" كبار الكتاب آنذاك، ومن كتابها الأوائل الذين انضموا إليها: محمد التابعي، وتوفيق الحكيم، وكامل الشناوي، ومحمد حسنين هيكل، وجلال الحمامصي، ثم جاء بعدهم عشرات الكتاب، وتولوا مؤسسات في إدارة التحرير، مثل إحسان عبد القدوس، وموسى صبري، وإبراهيم سعدة، وكمال عبدالروؤف، وغيرهم من الكتاب من الأجيال اللاحقة.
تعرفت على كتابات ومؤلفات الأستاذ مصطفى أمين، في النصف الأول من سبعينات القرن الماضي، عندما عاد للكتابة مرة أخرى، وترأس تحرير الصحيفة بعد خروجه من السجن عام 1974، وعندما كنت أدرس في مصر في أوائل الثمانينات من القرن الماضي، كنت أتابع مقاله السياسي الأسبوعي في أخبار اليوم، وعموده الشهير (فكرة)، في جريدة الأخبار اليومية.
لا شك أن الكاتب الصحفي مصطفى أمين، مدرسة صحفية بامتياز خرّجت عشرات الصحفيين فيها، ولها أسلوبها المتميز في الكتابة الصحفية؛ سواء في المقالات أو التحقيقات،أو الأخبار أو غيرها من القضايا الصحفية التي تثيرها، خاصة قضايا المجتمع، ولذلك فهي الأقرب للقارئ المصري فيما يدور في المجتمع من قضايا تحتاج إلى تسليط الأضواء عليها. وقد نجحت أخبار اليوم في أن تحقق شهرة كبيرة، داخل مصر وخارجها، وكان مصطفى أمين يملك الكثير من المواهب في كتاباته باعتراف حتى خصومه الصحفيين، كما يملك أسلوب المُخبر الصحفي في المتابعات والتحقيقات المثيرة في توجيه الرأي العام في المراحل الأولى خاصة في الأربعينات والخمسينات من القرن الماضي، بما يكتبه من آراء وأفكار ناقدة للعديد من الظواهر السياسية والفكرية وحتى الفنية. لكن بعد توسع المؤسسة، واقترابه من عمر السبعين، توقف عن الكتابة السياسية الأسبوعية، وتفرغ للعمود الصحفي اليومي حتى وفاته رحمه الله، خاصة بعدما أصبحت أخبار اليوم يملكها الاتحاد الاشتراكي العربي في مصر، بعد تأميم الصحافة المملوكة ملكية خاصة عام 1960.
وينقل الكاتب سامح محروس في مقال بعنوان "صحافة مصطفى أمين"، إن الكاتب الصحفي محمد حسنين هيكل في كتابه الشيق "بين الصحافة والسياسة" قال: "كان جمال عبد الناصر يشعر بعدم ارتياح لملاك الصحف في ذلك الوقت، آل زيدان أصحاب دار الهلال، وآل تقلا أصحاب الأهرام، وآل نمر أصحاب المقطم، وكانت له تجربة مزعجة مع آل أبي الفتح أصحاب المصري، كما أن علامة استفهام ظلت أمامه طول الوقت على "آل أمين" أصحاب أخبار اليوم.. باختصار لم يكن عبد الناصر راضيًا عن الملكية الفردية أو العائلية للصحف.. ودارت مناقشات طويلة كان الأستاذ هيكل طرفًا فيها، حتى صدر قانون تنظيم الصحافة في 24 مايو 1960 والذي تم بمقتضاه "تأميم" دور الصحف فعليًا، رغم أن مصدر القانون تحاشى كلمة "تأميم" صراحة".
كان الصحفي مصطفى أمين من عشاق الحرية، وواجه الكثير من الاعتقال والتوقيف والمضايقة، لكنه تمسك بالحرية مع الكثير من محاذيرها ونيرانها اللافحة، لكنه لم يتوان عن المطالبة في كتاباته سواء في العهد الملكي أو العهد الجمهوري بالحرية وممارستها في كتاباته، وواجه ما واجهه في العهدين معًا كما أشرنا آنفًا، لكنه ظل متمسكًا إلى آخر العمر. ويقول مصطفى أمين في بعض أحاديثه الصحفية عن الحرية الصحية: "إن تأميم الصحافة كان ضريبة.. أصابت الصحافة كلها وليست أخبار اليوم وحدها ولا الصحافة المصرية وحدها، وإنما في رأيي أنها أثرت في الصحافة العربية كلها.. المستقبل الصحفي في مصر هو مستقبل الحرية.. لأن الصحفي مثل الوردة.. إذا وضعتها في حجرة مُغلقة لا تدخلها الشمس ولا يدخلها الهواء تذبل وتموت وإذا وضعتها في الشمس والهواء تتفتح وتعيش، وأنا أعتقد أننا نحتاج للحرية أكثر من أي شيء آخر".